خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً
٢٦
-مريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ فكلى } من ذلك الرطب { واشربى } من ماء السرى وكان ذلك ارهاصا لعيسى او كرامة لامه وليس بمعجزة لفقد شرطها وهو التحدى كما فى بحر العلوم.
قال الامام فى تفسيره قدم الاكل لان حاجتها اليه اشد من حاجتها الى الماء لكثرة ما سال منها من الدماء. فان قيل مضرة الخوف اشد لانه الم الروح والجوع والعطش الم البدن ونقل انه اجيع شاة ثم قدم اليها العلف وربط عندها ذئب فلم تأكل ثم ابعد الذئب وكسر رجلها فتناولت فدل على ان الم الخوف اشد فلم اخر الله سبحانه دفع ضرره. قلنا كان الخوف قليلا لبشارة جبريل فلم يحتج الى التكذير مرة اخرى انتهى.
قالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك وهو بالفارسية [كام كودك بماليدن] يقال حنك الصبى مضغ تمرا او غيره فدلكه بحنكه وقالوا كان من العجوة وهى بالحجاز ام التمر كما فى القاموس وفى الحديث
"اذا ولدت امرأة فليكن اول ما تأكل الرطب فان لم يكن رطب فتمر فانه لو كان شئ افضل منه لاطعمه الله تعالى مريم بنت عمران حين ولدت عيسى"
قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل { وقرى عينا } وطيبى نفسا وارفضى عنها ما احزنك واهمك فان لله تعالى قد نزه ساحتك بالخوارق من جرى النهر واخضرار النخلة اليابسة واثمارها قبل وقتها لانهم اذا رأوا ذلك لم يستبعدوا ولادة ولد بلا فحل واشتقاقه من القرار فان العين اذا رأت ما يسر النفس سكنت اليه من النظر الى غيره يقال اقر الله عينيك اى صادف فؤادك ما يرضيك فيقر عينك من النظر الى غيره.
قال فى القاموس قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة ويضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها اورأت ما كانت متشوفة اليه انتهى.
او من القر بالضم وهو البرد فان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين وسخنة العين للمحبوب والمكروه.
وقال الكاشفى [وقرى عينا وروشن ساز جشم را بفرزندياخود بسبز شدن درخت وبر دادن او كه مناسبت باحال تو دارد جه آنكه قادراست براظهار خرما از درخت يابس قدرت دارد برايجاد ولد ازمادر بى بدر وحق سبحانه ملائكة فرستاد تابكرد مريم در آمدند وجون عيسى عليه السلام متولد شد اورا فرا كرفته بشستند ودرحرير بهشت بيجيده دركنار مريم نهادند] قالوا ما من مولود يستهل غيره [وندا رسيدا]{ فاما ترين من البشر احدا } اى فان ترى آدميا كائنا من كان وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وهى بمنزلة لام القسم فى انها اذا دخلت على الفعل دخلت معها النون المؤكدة { فقولى } له ان استنطقك اى سألك على ولدك [يعنى برسند اين فرزند از كجاست] ولامك عليه { انى نذرت } اوجبت على نفسى { للرحمن صوما } اى صمتا او صياما وكان صيام المجتهدين من بنى اسرائيل بالامساك عن الطعام والكلام حتى يمسى وقد نسخ فى هذه الامة لانه عليه السلام نهى عن صوم الصمت.
قال فى ابكار الاذكار السكوت فى وقته صفة الرجال كما ان النطق فى موضعه شرف الخصال

اكرجه بيش خرمند خامشى ادبستبوقت مصلحت آن به كه درسخن كوشى
دوجيز طيره عقلست دم فرو بستن بوقت كفتن وكفتن بوقت خاموشى

واما ايثار اصحاب المجاهدة السكوت فلعلمهم بما فى الكلام من حظ النفس واظهار صفات المدح والميل الى حسن النطق.
فاما صمت الجاهلية فمنهى عنه كما ورد لا يتم بعد الاحتلام ولا صمات يوم الى الليل فكان اهل الجاهلية من نسكهم اعتكاف يوم وليلة بالصمات فنهوا فى الاسلام عن ذلك وامروا بالحديث بالخير والذكر.
يقول الفقيران المنهى عنه هو السكوت مطلقا. واما السكوت عن كلام الناس مع ملازمة الذكر فمقبول بل مأمور به ولذا جعل دوام السكوت احد الشرائط الثمان فصحة الانقطاع وفائدة السلوك انما تحصل به وباخواته { فلن اكلم اليوم انسيا }[بس سخن نخواهم كفت امروز باهيج آدمى بلكه باملائكه وباحق سخن ميكويم ومناجات ميكنم] امرت بان تخبر بنذرها بالاشارة فالمعنى قولى ذلك بالاشارة لا باللفظ.
قال الفراء العرب تسمى كل وصل الى الانسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فاذا اكد لم يكن الا حقيقة الكلام وانما امرت بذلك لكراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم والاكتفاء بكلام عيسى انه قاطع لطعن الطاعن والرائب فى براءة ساحتها وذلك ان الله تعالى اراد ان يظهر براءتها من جهة عيسى فتكلم ببراءة امه وهو فى المهد وفيه ان السكوت عن السفيه واجب ومن اذل الناس سفيه لم يجد مسافها: قال الصائب

درجنك ميكند لب خاموش كار تيغداد جواب مردم نادان جه لازمست

وقال

باكران جانان مكوحرف كران تانشنوىكوه در رد صدا بى اختيار افتاده است

ومن بلاغات الزمخشرى ما قدع السفيه بمثل الاعراض وما اطلق عنانه بمثل العراض سورة السفيه تكسرها الحلماء والنار المضطرمة يطفئها الماء يعنى ان سورة السفيه كالنار المضطرمة ولا يطفأها الا الحلم كما لا يطفئ النار الا الماء والنار تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله.
وفى الآية اشارة الى الصوم عن الالتفات لغير الله تعالى كما قال بعض الكبار الدنيا يوم ولنا فيه صوم ولا يكون افطاره الا على مشاهدة الجمال.
فعلى السالك ان ينقطع عن عالم الناسوت ويقطع لسانه عن غير ذكر اللاهوت حتى يحصل قطع الطريق والوصول الى منزلة التحقيق وكما ان مريم هزت النخلة فاسقطت عليها رطبا جنيا فكذا مريم القلب اذا هزت بنخلة الذكر وهى كلمة"لا اله الا الله" تسقط عليها من المشاهدات الربانية والمكاشفات الآلهية ما به يحصل التمتعات التى هى مشارب الرجال البالغين كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم يقول
"ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى" اللهم اجعلنا من الذين كوشفوا عن وجه حقيقة الحال ووصلوا الى تجليات الجمال والجلال.