خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١١٤
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن أظلم } سبب النزول ان ططيوس الرومى ملك النصارى واصحابه عزوا بنى اسرائيل فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم واحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير ولم يزل خرابا حتى بناه اهل الاسلام فى ايام عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذلك لما استولى عمر رضى الله عنه على ولاية كسرى وغنم اموالهم عمر بها بيت المقدس ثم صار فى ايدى النصارى من الافرنج اكثر من مائة سنة حتى فتحه واستخلصه الملك الناصر صلاح الدين من آل ايوب سنة خمسمائة وخمس وثمانين بعد الهجرة ومن فى الاصل كلمة استفهام وهى ههنا بمعنى النفى اى لا احد اظلم { ممن منع مساجد الله } المراد بيت المقدس وصيغة الجمع لكون حكم الآية عاما لكل من فعل ذلك فى اى مسجد كان كما تقول لمن آذى صالحا واحدا ومن اظلم ممن آذى الصالحين لانه لا عبرة لخصوص السبب { أن يذكر فيها اسمه } ثانى مفعولى منع فانه يقتضى ممنوعا وممنوعا عنه فتارة يتعدى اليهما بنفسه كما فى قولك منعته الامر وتارة يتعدى الى الاول بنفسه والى الثانى بحرف الجر وهو كلمة عن او من مذكورة كانت كما فى قولك منعته من الامر او محذوفة كما فى الآية اى من ان يسبح ويقدس ويصلى له فيها { وسعى } اى عمل { فى خرابها } بالهدم والخراب اسم للتخريب كالسلام اسم للتسليم واصله الثلم والتفريق { اولئك } المانعون { ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين } اى ما كان ينبغى لهم ان يدخلوها الا بخشية وخضوع فضلا عن الاجتراء على تخريبها { لهم فى الدنيا خزى } اى خزى فظيع لا يوصف كالقتل والسبى فى حق اهل الحرب والاذلال بضرب الجزية فى حق اهل الذمة او هو فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية { ولهم فى الآخرة عذاب عظيم } وهو عذاب النار الذى لا ينقطع لما ان سببه ايضا وهو ما حكى من ظلمهم كذلك فى العظم وقيل نزلت الآية فى مشركى العرب الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء الى الله تعالى بمكة والجأوه الى الهجرة فصاروا بذلك مانعين له عليه السلام ولاصحابه ان يذكروا الله فى المسجد الحرام وايضا انهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه عن المسجد الحرام حين ذهب اليه من المدينة عام الحديبية وهى السنة السادسة من الهجرة والحديبية موضع على طريق مكة فعلى هذا يكون المسجد الذى نزلت الآية فيه المسجد الحرام فالمراد بالخراب فى قوله وسعى فى خرابها تعطيلهم المسجد الحرام عن الذكر والعبادة دون تخريبه وهدمه حقيقة وجعل تعطيل المسجد عنهما تخريبا له لان المقصود من بنائه انما هو الذكر والعبادة فيه فما دام لم يترتب عليه هذا المقصود من بنائه صار كأنه هدم وخرب او لم يبن من اصله فان عمارة المسجد كما تكون ببنائه واصلاحه تكون ايضا بحضوره ولزومه يقال فلان يعمر مسجد فلان اذا كان يحضره ويلزمه ويقال لسكان السموات من الملائكة عمارها قال النبى صلى الله عليه وسلم "اذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالايمان" .
وذلك لقوله تعالى { { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله } [التوبة: 18] فجعل حضور المساجد عمارة لها.
قال على رضى الله عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر * فاما اللاتى فى الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله واما اللاتي فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى الله.
وعد من علامات الساعة تطويل المنارات وتنقيش المساجد وتزيينها وتخريبها عن ذكر الله تعالى فتعطيل المساجد عن الصلاة والتلاوة واظهار شعائر الاسلام اقبح سيئة لا سيما اذا اقترن بفتح ابواب بيوت الخمر واغلاق ابواب المكاتب وغير ذلك ولقد شوهد هذا فى اكثر البلاد الرومية فى هذا الزمان فلنبك على غربة الدين ايها الاخوان.
قال القشيرىرحمه الله ومن اظلم ممن خرب بالشهوات اوطان العبادات وهى نفوس العابدين وخرب بالمنى والعلاقات اوطان المعرفة وهى قلوب العارفين وخرب بالحظوظ والمساكنات اوطان المحبة وهى ارواح الواجدين وخرب بالتفات الى القربات اوطان المشاهدات وهى اوطان الموحدين.
ثم فى الآية اشارة الى شرف بيت المقدس والمسجد الحرام وفى الحديث
"من زار بيت المقدس محتسبا اعطاه الله ثواب الف شهيد وحرم الله جسده على النار ومن زار عالما فكأنما زار بيت المقدس" كذا فى مشكاة الانوار.
وذكر فى القنية ان اعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع فانها اخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها اذا لم يكن لها امام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فانه لا يجوز الاعتكاف فيها الا للنساء انتهى.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى لا مقام اشرف من الجامع الكبير ببروسة بعد الكعبة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف وقال كان هو موضع بيت عجوز آمنت بنوح النبى عليه السلام فحفظها الله من الطوفان فى ذلك البيت حين لم تدرك السفينة هكذا ظهر لبعض اهل الله بطريق الكشف ومن اشتغل فيه صانه الله من طوفان الغفلة.
وقال ايضا الاشغال فى مكة يوما يقوم مقام الاشتغال فى سائر البلاد سنة بشرط رعاية آدابها قال وفى بلادنا للشغل موضعان احدهما جامع السيد البخارى ببلدة بروسة والآخر مقام ابى ايوب الانصارى بقسطنينية

عابدان اندر نماز وعارفان اندر نياز عاشقان ازشوق وصل يار در سوز وكداز

اللهم اجعلنا من المشغولين بك.