خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
١٤٧
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الحق } الذى انت عليه يا محمد { من ربك } خبر لقوله الحق { فلا تكونن من الممترين } اى الشاكين فى كون الحق من ربك هذا خطاب له صلى الله عليه وسلم والمقصود خطاب امته ونهيهم عن الامتراء ومعنى نهى الامة عن الامتراء امرهم بضده الذى هو اليقين وطمانينة القلب.
قال القشيرى حملهم مستكنات الحسد وسوء الاختيار على مكابرة ما علموا بالاضطرار وكذلك المغمور فى ظلمات نفسه يلقى جلباب الحياء فلا ينجع فيه ملام ولا يرده عن انهماكه كلام.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى عندنا ثلاث مراتب. احديها مرتبة التقليد وهى لعامة الناس. والثانية مرتبة التحقيق والايقان وهى للمجتهدين كالائمة الاربعة ومن يحذو حذوهم. والثالثة مرتبة المشاهدة والعيان فهى للكمل من اهل السلوك قال واذا لم تتطهر النفس من الاخلاق الرديئة لا تحصل المعارف الآلهية وان كان كاملا فى العقل والعلوم ألا يرى ان الشيطان مع عقله وعلمه كيف استكبر وعصى امر الله تعالى لما فى نفسه من الكبر والحسد وكذلك حال اهل الكتاب فى امر القبلة وشأن النبى صلى الله عليه وسلم حيث لم ينفع العلم والمعرفة لخبث باطنهم فلا بد من تزكية النفوس وتصفية القلوب والاستقامة فى باب الحق الى ان يأتى اليقين ـ حكى ـ ان يونس خدم شيخه طبق امره ثلاثين سنة بالصدق حتى تورم ظهره من نقل الحطب فلم يظهر وكان شيخه نظرا له فثقل ذلك على سائر الطالبين وقالوا انه يخدم الشيخ على محبة بنته حتى تكلموا فى ذلك الشيخ فلما اتى بالحطب قال شيخه نعم الحطب المستقيم يا يونس فقال ان غير المستقيم لا يليق بهذا الباب وما تكلموا فى حقه ليس على وجه النفاق بل لما رأوا انهم لا يتحملون ما يتحمل يونس اشكل عليهم الامر فحملوه على حب البنت وسؤال الشيخ ايضا وجواب يونس بهذا الوجه انما كان لارشادهم وازالة شبههم والا فالشيخ كان يعرف احوال يونس ولم يحصل له سوء ظن من كلامهم لان من كان مرشدا لا يعرف حال المريد بكلام الغير فى المدح والذم ثم زوج الشيخ بنته له وقال حتى لا يكون الاخوان كاذبين ولا يحصل لهم الخجالة وكانت البنت متى قرأت القرآن يقف الماء فلم يمسها يونس الى آخر عمره وقال انا لا أليق بها فللسالك فى مرتبة الطبيعة ان يترك مقتضاها ويقتصر على قدر الكفاية من الاكل والشرب ولا يتقيد بتدارك ما تشتهيه طبيعته فان الخير فى مخالفتها ومن تربية النفس ان يجتنب عن حب الاموال والاولاد فانهما فتنة ومعينان لها على كبرها بكثرتهما واكثر الانفس لا تحب صرفها بل تدخرها ليزداد استكبارها وقد قال تعالى
{ { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } [الشعراء: 88-89].
فما دام لم تصلح الطبيعة والنفس لا يصل الطالب الى مطلوبه ففى الحج اشارة الى ذلك فان قاصد البيت المكرم يترك استراحة بدنه ويبذل ماله الى ان يصل الى مشاهدته فكذلك قاصد رب البيت يفنى عن جميع ما سواه ويكون فى توجهه وحدانيا هيولانيا حتى يشاهد ببصيرته ما يشاهد فالصلاة مستقبلا الى شطر المسجد الحرام عين التوجه الى الذات الاحدية لان الكعبة مثال صورى لحضرته تعالى وان المراد من الاستقبال اليها الاقبال اليه تعالى مع انه لا يتقيد التوجه حقيقة لكن الاستقبال صورة رعاية للادب ودور مع الامر الآلهى فان لله تعالى فى كل شىء حكمة ومصلحة ومن تخلص من القيود وانجذب الى الرب المعبود فقد تجلى له قوله
{ { فأينما تولوا فثم وجه الله } [البقرة: 115].
وظهر له سر الظاهر والمظهر

عاشقى ديد از دل بر تاب حضرت حق تعالى اندر خواب
دامنش را كرفت آن غمخور كه ندارم من از تو دست دكر
جون بر آمد زخواب خوش درويش ديد محكم كرفته دامن خويش

فطوبى لمن دار مع الامر الآلهى وسلم من الاعتراض وتخلص من الانقباض وفنى عن اضافة الوجود الى نفسه وبقى بربه وبكمالاته اللهم اجعلنا من المهديين الى هذه الرتبة العظمى والكعبة العليا واصرفنا فى مسالكنا عن الانحراف الى شىء من الآخرة والدنيا.