خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم } من تبعيضية اى شيأ مما رزقناكموه والتعرض لوصوله منه تعالى للحث على الانفاق والمراد به الانفاق الواجب اى الزكاة بدلالة ما بعده من الوعيد والاكثر على ان الامر يتناول الواجب والمندوب { من } لابتداء الغاية { قبل ان يأتى يوم } يوم الحساب والجزاء { لا بيع فيه } يتدارك به المقصر تقصيره وهو فى التقدير جواب هل فيه بيع ولهذا رفع. والبيع استبدال المال بالثمن { ولا خلة } حتى يسامحكم اخلاؤكم بما تصنعون. والخلة المودة والصداقة فكأنها تتخلل الاعضاء اى تدخل خلالها ووسطها والخليل الصديق لمداخلته اياك والخلة تنقطع يوم القيامة بين الاخلاء الا بين المتقين لقوله تعالى { { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [الزخرف: 67].
{ ولا شفاعة } حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم فى حط ما فى ذممكم والشفاعة المنفية يوم القيامة هى التى يستقل فيها الشفيع ويأتى بها وان لم يؤذن له فيها فان الدلائل قائمة على ثبوت الشفاعة للمؤمنين بعد ان يؤذن لهم فيها وهى لمن مات لا يشرك بالله شيأ { والكافرون } اى والتاركون للزكاة وايثاره عليه للتغليط والتهديد كما قال فى آخر آية الحج
{ { ومن كفر } [البقرة: 126].
مكان ومن ولم يحج وللايذان بان ترك الزكاة من صفات الكفار قال تعالى
{ { وويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكوة } [فصلت: 6-7].
{ هم الظالمون } اى الذين ظلموا انفسهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المال فى غير موضعه وصرفوه الى غير وجهه

زكات اكر ندهى اززرت زداده وى علاج كى كنمت كاخر الدواء الكى

قال الراغب حث المؤمنين على الانفاق مما رزقهم من النعماء النفسية والبدنية الجارحية وان كان الظاهر فى التعارف انفاق المال ولكن قد يراد به بذل النفس والبدن فى مجاهدة العدو والهوى وسائر العبادات ولما كانت الدنيا دار اكتساب وابتلاء والآخرة دار ثواب وجزاء بين ان لا سبيل للانسان الى تحصيل ما ينتفع به فى الآخرة فابتلى بذكر هذه الثلاثة لانها اسباب اجتلاب المنافع المفضية اليها. احدها المعاوضة واعظمها المبايعة. والثانى ما تناوله بالمودة وهو المسمى بالصلات والهدايا. والثالث ما يصل اليه بمعاونة الغير وذلك هو الشفاعة. ولما كانت العدالة بالقول المجمل ثلاثا عدالة بين الانسان ونفسه وعدالة بينه وبين الناس وعدالة بينه وبين الله. فكذلك الظلم له مراتب ثلاث واعظم العدالة ما بين العبد وبين الله وهو الايمان واعظم الظلم ما يقابله وهو الكفر ولذلك قال { والكافرون هم الظالمون } اى هم المستحقون لاطلاق هذا الوصف عليهم بلا مشوبة. فليسارع العبد الى تقوية الايمان بالانفاق والاحسان ـ حكى ـ انه كان عابد من الشيوخ اراده الشيطان فلم يستطع منه شيأ فقال له الشيطان ألا تسألنى عما اضل به بنى آدم قال بلى قال فاخبرنى ما اوثق شىء فى نفسك ان تضلهم به قال الشيخ والحدة والسكر فان الرجل اذا كان شحيحا قللنا ماله فى عينيه ورغبناه فى اموال الناس وان كان حديدا ادرناه بيننا كما تتداور الصبيان الكرة فلو كان يحيى الموتى بدعائه لم نيأس منه واذا سكر اقتدناه الى كل شهوة كما تقاد العنز باذنها كذا فى آكام المرجان.
وعن محمد بن اسماعيل البخارى يقول بلغنا ان الله اوحى الى جبريل عليه الصلاة والسلام فقال يا جبريل لو انا بعثتك الى الدنيا وجعلتك من اهلها ما الذى عملت من الطاعات فيها فقال جبريل انت اعلم بشأنى منى ولكنى كنت اعمل ثلاثة اشياء. اولها كنت اعين صاحب العيال فى النفقة على عيالة. والثانى كنت استر عيوب الخلق وذنوبهم حتى لا يعلم احد من خلقك عيوب عبادك وذنوبهم غيرك. والثالث اسقى العطشان وارويه من الماء كذا فى روضة العلماء: قال السعدى قدس سره

جو خودرا قوى حال بينى وخوش بشكرانه بار ضعيفان بكش
اكر خود همين صورتى جون طلسم بميرى واسمت بميرد جو جسم
اكر برورانى درخت كرم برنيك نامى خورى لا جرم

اللهم اجعلنا من المنفقين والمستغفرين.