خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٨٤
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لله ما فى السموات وما فى الأرض } من الامور الداخلة فى حقيقتهما والخارجة عنهما المتمكنة فيهما من اولى العلم وغيره أى كلها له تعالى خلقا وملكا وتصرفا لا شركة لغيره فى شىء منها بوجه من الوجوه فلا تعبدوا احدا سواه ولا تعصوه فيما يأمركم وينهاكم { وإن تبدوا } اى تظهروا { ما فى أنفسكم } اى فى قلوبكم من السوء والعزم عليه وذلك بالقول او بالفعل { أو تخفوه } اى تكتموه عن الناس ولا تظهروه باحد الوجهين ككتمان الشهادة وموالاة المشركين وغيرهما من المناهى ولا يندرج فيه ما لا يخلو عنه البشر من الوساوس واحاديث النفس التى لا عقد ولا عزيمة فيها اذ التكليف بحسب الوسع ودفع ذلك مما ليس فى وسعه { يحاسبكم به الله } اى يجازيكم به يوم القيامة وهو حجة على منكرى الحساب من المعتزلة والروافض { فيغفر } اى فهو يغفر بفضله { لمن يشاء } ان يغفر له وان كان ذنبه كبيرا { ويعذب } بعدله { من يشاء } ان يعذبه وان كان ذنبه حقيرا حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ويعذب الكفار لا محالة لانه لا يغفر الشرك وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه { والله على كل شىء قدير } فكمال قدرته تعالى على جميع الاشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب.
قال فى التيسير دل ظاهر قوله او تخفوه على المؤاخذة بما يكون من القلب وجملته ان عزم الكفر كفر وحضرة الذنوب من غير عزم مغفورة وعزم الذنوب اذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور فاما الهم بالسيئة ثم يمتنع عنه بمانع لا باختياره وهو ثابت على ذلك فانه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله يعنى بالعزم على الزنى لا يعاقب عقوبة الزنى وهل يعاقب على الخاطر عقوبة عزم الزنى قيل هو معفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم
"ان الله عفا لامتى عما حدثت به انفسها ما لم يعمل او يتكلم" .
واكثرهم على ان الحديث فى الحضرة دون العزمة وان المؤاخذة فى العزمة ثابتة وكذا قال الامام ابو منصوررحمه الله انتهى ما فى التيسير. وربما يكون للانسان شركة فى الاثم مثل القتل والزنى وغيرهما اذا رضى به من عامله واشتد حرصه على فعله وفى الحديث "من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن حضرها" .
وفى حديث آخر "من احب قوما على اعمالهم حشر فى زمرتهم" .
اى جماعتهم "وحوسب يوم القيامة بحسابهم وان لم يعمل باعمالهم" .
فعلى العاقل ان يرفع عن قلبه الخواطر الفاسدة ولا يجالس الجماعة الفاسقة كيلا يحشر فى زمرتهم

كر نشيند فرشته باديو وحشت آموزد وخيانت وريو
ازبدان نيكويى نياموزى نه كند كرك بوستين دوزى

والاشارة فى الآية ان الله يطالب العباد بالاستدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة لئلا يغفلوا عن حفظ حركات الظاهر وضبط خطرات الباطن فيقعوا فى آفة ترك ادب من آداب العبودية فيهلكوا بسطوات الالوهية.
واعلم ان الانسان مركب من عالمى الامر والخلق فله روح نورانى من عالم الامر وهو الملكوت الاعلى وله نفس ظلمانية سفلية من عالم الخلق ولكل واحدة منهما ميل الى عالمها فقصد الروح الى جوار رب العالمين وقربه وقصد النفس الى اسفل السافلين وغاية البعد عن الحق فبعث النبى صلى الله عليه وسلم ليزكى النفوس عن ظلمة اوصافها لتستحق بها جوار رب العالمين فتزكيتها فى اخفاء ظلمة اوصافها بابداء انوار اخلاق الروح عليها فى تحليتها بها فهذا مقام الاولياء مع الله يخرجهم من الظلمات الى النور وبعث الشيطان الى اوليائه وهم اعداء الله ليخرج ارواحهم من النور الروحانى الى الظلمات النفسانية باخفاء انوار اخلاقها فى ابداء ظلمات اخلاق النفس عليها لتستحق بها دركة اسفل السافلين. فمعنى الآية فى التحقيق { إن تبدوا ما فى أنفسكم } مودع من ظلمات الاوصاف النفسانية فى الظاهر بمخالفات الشريعة وفى الباطن بموافقات الطبيعة { أو تخفوه } بتصرفات الطريقة فى موافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة { يحاسبكم به الله } بطهارة النفس لقبول انوار الروح واخلاقه او بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس واخلاقها { فيغفر لمن يشاء } فينور نفسه بانوار الروح وروحه بانوار الحق { ويعذب من يشاء } فيعاقب نفسه بنار دركات السعير وروحه بنار فرقة العلى الكبير { والله على كل شىء } من اظهار اللطف والقهر على تركيب عالمى الخلق والامر { قدير } كذا فى تأويلات الكامل نجم الدين دايه قدس سره.