خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٨٦
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } اخبار من الله تعالى وليس من كلام المؤمنين ـ روى ـ "انه لما نزل قوله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فاتوه عليه السلام ثم بركوا على الركب فقالوا اى رسول الله كلفنا من الاعمال ما نطيق الصلاة والصيام والحج والجهاد وقد انزل اليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا قالوا بل سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فقرأها القوم فانزل الله تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } الى قوله تعالى { غفرانك ربنا وإليك المصير }" .
فمسئولهم الغفران المعلق بمشيئته تعالى فى قوله تعالى { { فيغفر لمن يشاء } [البقرة: 284].
ثم انزل الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } تهوينا للخطب عليهم ببيان ان المراد بما فى انفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة لا ما يعم الخواطر التى لا يستطاع الاحتراز عنها والتكليف الزام ما فيه كلفة ومشقته والوسع ما يسع الانسان ولا يضيق عليه اى سنته ان لا يكلف نفسا من النفوس الا ما يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود فضلا منه تعالى ورحمة لهذه الامة كقوله تعالى
{ { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185].
وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه. اما الاول فلانه لو كان وقع لزم الكذب فى كلامه تعالى تعالى عن ذلك علوا كبيرا. واما الثانى فلانه تعالى نفى مطلقا ولا يلزم منه نفى مقيد الذى هو الامتناع لان العام من حيث هو عام لا يدل على الخاص بوجه من الدلالات { لها } اى للنفس ثواب { ما كسبت } من الخير الذى كلفت فعله لا لغيرها استقلالا او اشتراكا ضرورة شمول كلمة ما لكل جزء من اجزاء مكسوبها { وعليها } لا على غيرها باحد الطريقين المذكورين عقاب { ما اكتسبت } من الشر الذى كلفت تركه وايراد الاكتساب فى جانب الشر لان الشر فيه اعتمال اى اجتهاد فى العمل فانه لما كان مشتهى النفس كان فيه جد وسعى بخلاف الخير وصيغة الافتعال للتكلف { ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا } شروع فى حكاية بقية دعواتهم اثر بيان سر التكليف اى يقولون ربنا لا تؤاخذنا بما صدر عنا من الامور المؤدية الى النسيان او الخطأ من تفريط وقلة مبالاة ونحوهما مما يدخل تحت التكليف ودل هذا على جواز المؤاخذة فى النسيان والخطأ فان التحرز عنهما فى الجملة ممكن ولولا جواز المؤاخذة فى النسيان والخطأ لم يكن للسؤال معنى وخفف الله عن هذه الامة فرفع عنها المؤاخذة وقال النبى صلى الله عليه وسلم
"رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .
فدل انهم مخصوصون بهما وامم السالفة كانوا مؤاخذين فيهما { ربنا ولا تحمل علينا اصرا } عطف على ما قبله وتوسيط النداء بينهما لابراز مزيد الضراعة. والاصر العبىء الثقيل الذى يأصر صاحبه اى يحبسه مكانه والمراد به التكاليف الشاقة { كما حملته على الذين من قبلنا } اى حملا مثل حملك اياه على من قبلنا وهو ما كلفه بنوا اسرائيل من قتل النفس فى توبة وقطع الاعضاء الخاطئة وقطع موضع النجاسة وعدم التطهير بغير الماء وخمسين صلاة فى يوم وليلة وعدم جواز صلاتهم فى غير المسجد وحرمة اكل الصائم بعد النوم ومنع بعض الطيبات عنهم بالذنوب وكون الزكاة ربع مالهم وكتابة ذنب الليل على الباب بالصبح وغير ذلك من التشديدات وقد عصم الله عز وجل ورحم هذه الامة من امثال ذلك وانزل فى شأنهم { { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم } [الأعراف: 157].
وقال صلى الله عليه وسلم
"بعثت بالحنفية السهلة السمحة" .
وعن العقوبات التى عوقب بها الاولون من المسخ والخسف وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم "رفع عن امتى الخسف والمسخ والغرق" .
{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } عطف على ما قبله واستعفاء من العقوبات التى لا تطاق بعد الاستعفاء مما يؤدى اليها من التكاليف الشاقة التى لا يكاد من كلفها يخلو عن التفريط فيها كأنه قيل لا تكلفنا تلك التكاليف ولا تعاقبنا بتفريطنا فى المحافظة عليها فيكون التعبير عن انزال العقوبات بالتحميل باعتبار ما يؤدى اليها.
قال فى التيسير اى لا تكلفنا ما يشق علينا الدوام عليه ولم يرد به عدم الطاقة اصلا فانه لا يكون فلا يسأل { واعف عنا } اى آثار ذنوبنا { واغفر لنا } واستر عيوبنا ولا تفضحنا على رؤس الاشهاد.
قال فى التيسير وليس بتكرار. فان الاول تركه حتى لا يؤاخذ به ومحوه حتى لا يبقى. والثانى ستره حتى لا يظهر وقد تجاوز عن الشىء فلا يؤاخذ بجزائه لكن يذكر ذلك ويظهر والمؤمنون امروا ان يسألوا التجاوز عنها واخفاءها حتى لا يظهر حالهم لاحد فلا يفتضحوا به { وارحمنا } وتعطف بنا وتفضل علينا وتقديم طلب العفو والمغفرة على طلب الرحمة لما ان التخلية سابقة على التحلية { أنت مولانا } سيدنا ونحن عبيدك او ناصرنا او متولى امورنا { فانصرنا على القوم الكافرين } اى اعنا عليهم وادفع عنا شرهم فان من حق المولى ان ينصر عبيده ومن يتولى امره على الاعداء والنصرة على الكفار تكون بالظفر وتكون بالحجة وتكون بالدفع وهو سؤال العصمة من الشياطين ايضا لانهم منهم ـ روى ـ انه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به الى سدرة المنتهى وهى فى السماء السادسةاليها ينتهى ما يعرج به من الارض فيقبض منها واليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال اذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب قال فاعطى رسول الله عليه السلام ثلاثا اعطى الصلوات الخمس واعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله شيأ من امته قال صلى الله عليه وسلم فى خبر المعراج قربنى الله وادنانى الى سند العرش ثم الهمنى الله ان قلت آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله كما فرقت اليهود والنصارى قال فما قالوا قلت قالوا سمعنا وعصينا والمؤمنون قالوا سمعنا واطعنا فقال صدقت فسل تعط فقلت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال قد رفعت عنك وعن امتك الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فقلت ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا يعنى اليهود قال لك ذلك ولامتك قلت ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به قال قد فعلت قلت واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت.
وعنه صلى الله عليه وسلم
"انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بالفى عام من قرأهما بعد العشاء الاخيرة اجزأتاه عن قيام الليل" .
وعنه صلى الله عليه وسلم "من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة كفتاه" .
اى عن قيام الليل او عن حساب يوم القيامة وهو حجة على من استكره ان يقول سورة البقرة وقال ينبغى ان يقال السورة التى تذكر فيها البقرة كما قال صلى الله عليه وسلم "السورة التى تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن" .
اى مصره الجامع "فتعلموها فان تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تستطيعها البطلة" .
قيل وما البطلة قال عليه السلام "السحرة" .
اى لا تستطيع البطلة أن تسحر قارئها "ولا تقرأ فى دار ثلاث ليال فيقربها شيطان" .
وكان معاذ اذا ختم سورة البقرة يقول آمين.
"عن ابى الاسلم الديلمى قلت لمعاذ بن جبل اخبرنى عن قصة الشيطان حين اخذته فقال جعلنى رسول الله عليه السلام على صدقة المسلمين فجعلت التمر فى غرفة فوجدت فيه نقصانا فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هذا الشيطان يأخذه فدخلت الغرفة واغلقت الباب فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب ثم تصور فى صورة اخرى فدخل من شق الباب فشددت ازارى على فجعل يأكل من التمر فوثبت اليه فقبضته فالتفت يداى عليه فقلت يا عدو الله فقال خل عنى فانى كبير ذو عيال كثير وانا فقير من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل ان يبعث صاحبكم فلما بعث اخرجنا منها فخل عنى فلن اعود اليك فخليت سبيله وجاء جبريل عليه السلام فاخبر رسول الله عليه السلام بما كان فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادانى مناديه وقال ما فعل اسيرك فأخبرته فقال اما انه سيعود فعد قال فدخلت الغرفة وأغلقت على الباب فجاء فدخل من شق الباب فجعل يأكل التمر فصنعت به كما صنعت فى المرة الاولى فقال خل عنى فانى لن اعود اليك فقلت يا عدو الله ألم تقل انك لن تعود قال فانى لن اعود وآية ذلك انه اذا قرأ احد منكم خاتمة البقرة لا يدخل احد منا فى بيته تلك الليلة" .