خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٨
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ قلنا } استئناف مبنى على سؤال ينسحب عليه الكلام كانه قيل فما ذا وقع بعد قبول توبته فقيل قلنا { اهبطوا منها } اى من الجنة { جميعا } نصب على الحال من ضمير الجمع تأكيد فى المعنى للجماعة من آدم وحواء وابليس والحية والطاووس كأنه قيل اهبطوا انتم اجمعون ولذلك لا يستدعى اجتماعهم على الهبوط فى زمان واحد وكرر الامر بالهبوط ايذانا بتحتم مقتضاه وتحققه لا محالة ودفعا لما عسى يقع فى امنتيه عليه السلام من استتباع قبول التوبة للعفو عن ذلك ولان الاول دل على ان هبوطهم الى دار بلية يتعادون فيها ولا يخدلون والثانى اشعر بانهم اهبطوا للتكليف فاختلف المقصود وكان يصح لو قرن المعنيان بذكر الهبوط مرة لكن اعترض بينهما كلام وهو تلقيه الكلمات ونيله قبول التوبة فاعاد الاول ليتصل المعنى الثانى به وهو الابتلاء بالعبادة والثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
قال فى الارشاد والثانى مقرون بوعد ايتاء الهدى المؤدى الى النجاة والنجاح وما فيه من وعيد العقاب فليس بمقصود من التكليف قصدا اوليا بل انما هو دائر على سوء اختيار المكلفين.
ثم ان فى الآية دليلا على ان المعصية تزيل النعمة عن صاحبها لان آدم قد اخرج من الجنة بمعصية واحدة وهذا كما قال القائل

اذا تم امر دنا نقصه توقع زولا اذا قيل تم
اذا كنت فى نعمة فارعها فان المعاصى تزيل النعم

قال الله تعالى { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } [الرعد: 11].
{ فاما يأتينكم منى } اى ان يأتينكم والفاء لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الامر به { هدى } اى رشد وبيان شريعة برسول ابعثه اليكم وكتاب انزله عليكم والخطاب فى قوله يأتينكم لآدم والمراد ذريته وابليس وذريته لم يأتهم كتاب ولا رسول ولا يكون منهم اتباع وجواب الشرط هو الشرط الثانى مع جوابه وهو قوله تعالى { فمن اتبع هداى } اى اقتدى بشريعتى وكرر لفظ الهدى ولم يضمر بان يقال فمن تبعه لانه اراد بالثانى اعم من الاول وهوما اتى به الرسل من الاعتقاديات والعمليات واقتضاه العقل اى فمن تبع ما أتاء من قبل الشرع مراعيا فيه ما يشهد به العقل من الادلة الآفاقية والانفسية { فلا خوف عليهم } فى الدارين من لحوق مكروه { ولا هم يحزنون } من فوات مطلوب فالخوف على المتوقع والحزن على الواقع اى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا انه لا يعتريهم نفس الخوف والحزن اصلا بل يستمرون على السرور والنشاط كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى اقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين.