خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ
٤٦
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذين يظنون } اى يوقنون لان الظن يكون يقينا ويكون شكا فهو من الاضداد كالرجاء يكون امنا وخوفا كما في تفسير الكواشى { انهم ملاقوا ربهم } معاينوه وهو كناية عن شهود مشهد العرض والسؤال يوم القيامة وهو الوجه فيما يروى في الاخبار لقى الله وهو عليه غضبان وما يجرى مجراه.
وقيل اى يعلمون انهم يموتون قال النبى عليه الصلاة والسلام
"من احب لقاء الله احب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" .
واراد به الموت { وانهم اليه راجعون } اى ويعلمون انهم راجعون يوم القيامة الى الله تعالى اى الى جزائه اياهم على اعمالهم واماالذين لا يوقنون بالجزاء ولا يرجون الثواب ولا يخافون العقاب كانت عليهم مشقة خالصة فتثقل عليهم كالمنافقين والمرائين فالصبر على الاذى والطاعات من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها من تطاولها وهو من اخلاق الانبياء والصالحين.
قال يحيى بن اليمان الصبر ان لاتتمنى حالة سوى مارزقك الله والرضى بما قضى الله من امر ديناك وآخرتك وهو بمنزلة الرأس من الجسد: قال الحافظ

كويندسنك لعل شود در مقام صبر آرى شود وليك بخون جكر شود

ثم ان الله تعالى وصف جزاء الاعمال وجعل لها نهاية واحدا فقال { { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام: 160].
وجعل جزاء الصدقة في سبيل الله فوق هذا فقال
{ { مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة } [البقرة: 261] الآية.
وجعل اجر الصابرين بغير حساب ومدح اهله فقال
{ { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [الزمر: 10].
وقد وصف الله نفسه بالصبر كما في الحديث
"ليس شيء اصبر على اذى سمعه من الله تعالى انهم ليدعون له ولدا وانه ليعافيهم ويرزقهم" ووصف الله بالصبر انما هو بمعنى الحلم وهو تأخير العقوبة عن المستحقين لها.
والفرق بين الحليم والصبور ان المذنب لايأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم.
وقيل فى الخشوع أتريد ان تكون اماما للناس ولا تعرف الخشوع ليس الخشوع باكل الخشن ولبس الخشن لكن الخشوع ان ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض افترض عليك فمن اظهر خشوعا فوق ما في قلبه فانما اظهر نفاقا على نفاق.
قال سهل بن عبد الله لا تكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسدك وهذا هو الخشوع المحمود لان الخوف اذا سكن القلب اوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك واما المذموم فتكلفه والتباكى ومطأطأة الرأس كما يفعله الجهال ليروا بعين البر والاجلال وذلك خدع من الشيطان وتسويل من نفس الانسان وكان عمر رضى الله عنه اذا تكلم اسمع واذا مشى اسرع واذا ضرب اوجع وكان ناسكا صدقا وخاشعا حقا كما في تفسير القرطبي.
وقال فى التأويلات النجمية { واستعينوا بالصبر } عن شهوات النفس ومتابعة هواها { والصلوة } اى دوام الوقوف والتزام العكوف على باب الغيب وحضرة الرب { وانها } اى الاستعانة بهما { لكبيرة } امر عظيم وشأن صعب { الا على الخاشعين } وهم الذين تجلى الحق لاسرارهم فخشعت له انفسهم كما قال عليه الصلاة والسلام
"اذا تجلى الله لشىء خضع له" وقال { { وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا } [طه: 108].
فالتجلى يورث الالفة مع الحق ويسقط الكلفة عن الخلق { الذين يظنون } اى يوقنون بنور التجلى { انهم ملاقوا ربهم } انهم يشاهدون جمال الحق { وانهم اليه راجعون } بجذبات الحق التى كل جذبة منها توازى عمل الثقلين.