خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
٤٧
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ونضع الموازين القسط } الموازين جمع ميزان: بالفارسية [ترازو] والقسط العدل اى نقيم الموازين العادلة التى نوزن بها صحائف الاعمال ونحضرها او الاعمال باعتبار التجوهر والتجسم وجمع الموازين باعتبار تعدد الاعمال او لان لكل شخص ميزانا.
قال الراغب الوزن معرفة قدر الشئ وذكر الميزان فى مواضع بلفظ الواحد اعبتارا بالمحاسبة وفى مواضع بلفظ الجمع اعتبارا بالمحاسبين انتهى.
وافراد القسط لانه مصدر وصف به مبالغة كرجل عدل.
قال الامام وصف الموازين بالقسط لانها قد لا تكون مستقيمة { ليوم القيامة } اى لاجل جزائه { فلا تظلم نفس } من النفوس { شيئا } حقا من حقوقها على ان يكون مفعولا ثانيا لتظلم لانه بمعنى تنقص وتنقص يتعدى الى مفعولين يقال نقصه حقه من الظلم بل يوفى كل ذى حق حقه ان خيرا فخيرا وان شرا فشر على ان يكون مفعولا مطلقا { وان كان } اى العمل المدلول عليه بوضع الموازين { مثقال حبة من خردل } المثقال ما يوزن به من الثقل اى مقدار حبة كائنة من خردل: بالفارسية [ازسبندان كه اصغر حباتست] اى وان كان فى غاية القلة والحقارة فان حبة الخردل مثل فى الصغر { اتينا بها } بقصر الهمزة من الاتيان والباء للتعدية اى احضرنا ذلك العمل المعبر عنه بمثقال حبة الخردل للوزن والتأنيث لاضافته الى الحبة { وكفى بنا حاسبين } اذ لا مزيد على علمنا وعدلنا الباء زائدة ونا فاعل كفى وحاسبين حال منه بمعنى عادّين من حسب المال اذا عده.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما عالمين حافظين لان من حسب شيئا علمه وحفظه وفيه تحذير فان المحاسب العالم القادر الذى لا يفوته شئ يجب ان يخاف منه وروئ الشبلى قدس سره فى المنام فقيل ما فعل الله بك فقال

حاسبونا فدققوا ثم منوا فاعتقوا

قال الامام الغزالىرحمه الله الميزان حق ووجهه ان الله تعالى يحدث فى صحائف الاعمال وزنا بحسب درجات الاعمال عند الله فتصير مقادير اعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل فى العقاب او الفضل فى العفو وتضعيف الثواب.
يقول الفقير بهذا يندفع سؤال الامام فى تفسيره حيث قال اهل القيامة ان علموا كونه تعالى عادلا فلا حاجة الى وضع الميزان بل يكفى مجرد حكمه بترجيح جانب وان لم يعلموا لم يقد وزن الصحائف لاحتمال انه جعل احدى الكفتين اثقل ظلما انتهى وذلك لانهم علموا ذلك ضروريا لان الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا لكن الله تعالى اراد ان يحصل لهم العلم بمقادر اعمالهم ليظهر العدل والفضل ظهورا لا غاية وراءه وفيه الزام الحجة لهم.
قيل للميزان لسان وكفتان وهو بيد جبريل يوزن فيه الحسنات والسيآت فى احسن صورة واقبحها والحكم للغالب فى الوزن وفى التساوى لفضل الله.
يقول الفقير لعل وجه كونه بيد جبريل انه الواسطة فى تنزيل الامر والنهى فناسب ان يكون الميزان بيده ليزن حقائق الاوامر والنواهى - روى - ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه كل كفة كما بين الشمرق والمغرب فغشى عليه ثم افاق فقال الهى من ذا الذى يقدر ان يملأ كفته حسنات فقال يا داود انى اذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة وفى الحديث
"كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" انما صارتا احب لان فيهما المدح بالصفات السلبية التى يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التى يدل عليه الحمد وفى الحديث "التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأه"
قال المولى الفنارى توضع الموازين لوزن الاعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وآخر ما يوضع فى الميزان قول الانسان الحمد لله ولهذا قال عليه السلام "الحمد لله تملأ الميزان" فانه يلقى فى الميزان جميع اعمال العباد من الخير الا كلمة لا اله الا الله فيبقى على ملئه تحميدة فتجعل فيه فيمتلئ بها فان كفة ميزان كل احد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان الا لا اله الا الله كما قلنا وسبب ذلك ان كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير فى موازنته ولا يقابل لا اله الا الله الا الشرك ولا يجتمع توحيد شرك فى ميزان احد لانه ان قال لا اله الا الاله معتقدا لها فما اشرك وان اشرك فما اعتقد فلم يكن لها ما يعاد لها فى الكفة الاخرى ولا يرجحها شئ فلهذا لا تدخل فى الميزان واما المشركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا اى لا يقدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من امثالهم من المعطل والمتكبر على الله فان اعمال خير المشرك محبوطة فلا يكون لشرهم ما يوازيه فلا وزن لهم وأما صاحب السجلات فإنه شخص لم يعمل خيرا قط الا انه تلفظ يوما بكلمة لا اله الا الله مخلصا فيوضعله فى مقابلة التسعة والتسعين سجلا من اعمال الشرك كل سجل منها كما بين المشرق والمغرب وذلك لانه ماله عمل خير غيرها فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجلات.
والتحقيق ان لا اله الا الله كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله ولا يعادله شئ والا لما كان واحدا بل كان اثنين فصاعدا فاذا اريد بهذه الكلمة التوحيد الحقيقى لم تدخل فى الميزان لانه ليس له معادل ومماثل فكيف يدخل فيه واليه اشار الخبر الصحيح عن الله تعالى قال الله تعالى
"لو ان السموات السبع وعامرهن غيرى والارضين السبع وعامرهن غيرى فى كفة ولا اله الا الله فى كفة مالت بهن لا اله الا الله" فعلم من هذه الاشارة ان المانع من دخولها فى ميزان الحقيقة هو عدم المماثل والمعادل كما قال تعالى { ليس كمثله شئ } واذا اريد بها التوحيد الرسمى تدخل فى الميزان لانه يوجد لها ضد بل اضداد كما اشير اليه بحديث صاحب السجلات فما مالت الكفة الا بالبطاقة التى كتبها الملك فيها فهى الكلمة المكتوبة المنطوقة المخلوقة فعلم من هذه الاشارة ان السبب لدخولها فى ميزان الشريعة هو وجود الضد والمخالف وهو السيآت المكتوبة فى السجلات وانما وضعها فى الميزان ليرى اهل الموقف فى صاحب السجلات فضلها لكن انما يكون ذلك بعد دخول من شاء الله من الموحدين النار ولم يبق فى الموقف الا من يدخل الجنة لانها لا توضع فى الميزان لمن قضى الله ان يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة او بالعناية الالهية فانها لو وضعت لهم ايضا لما دخلوا النار ايضا ولزم الخلاف للقضاء وهو محال ووضعها فيها لصاحب السجلات اختصاص الهى يختص برحمته من يشاء هكذا حقق شيخى وسندى قدس سره هذا المقام ولا يدخل الموازين الا اعمال الجوارح شرها وخيرها وهى السمع والبصر واليد والبطن والفرج والرجل واما الاعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمى فمحسوس لمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شئ بمثله فلهذا توزن الاعمال من حيث هى مكتوبة وقد اصاب من قال الذكر الخفى هو الذى لم يطلع عليه الحفظة وهو توحيد الحقيقى الباطنى الذى لا يدخل فى الميزان الصورى لانه ما كان مكتوبا فكيف يدخل فيه.
فان قيل اين الميزان.
قلنا على الصراط ومترتب على الحساب ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بغير حساب وانما الميزان للمخلطين من المؤمنين.
قال بعض الكبار ميزان العدل فى الدنيا ثلاثة ميزان النفس والروح وميزان القلب والعقل وميزان المعرفة والسر. فميزان النفس والروح الامر والنهى وكفتاه الوعد والوعيد. وميزان القلب والعقل الايمان والتوحيد وكفتاه الثواب والعقاب. وميزان المعرفة والسر الرضى والسخط وكفتاه الهرب والطلب.
وقال بعضهم من يزن ههنا نفسه بميزان الرياضة والمجاهدات ويزن قلبه بميزان المراقبات ويزن عقله بميزان الاعتبارات ويزن روحه بميزان المقامات ويزن سره بميزان المحاضرات ومطالعة الغيبيات ويزن صورته بميزان المعاملات الذى كفتاه الحقيقة والطريقة ولسانه الشريعة وعموده العدل والانصاف توزن نفسه يوم القيامة بميزان الشرف ويوزن قلبه بميزان اللطف ويوزن عقله بميزان النور ويوزن روحه بميزان السرور ويوزن سره بميزان الوصول ويوزن صورته بميزان القبول فاذا ثقلت موازينه مما ذكرنا فجزاء نفسه الا من من الفراق فجزاء قلبه مشاهدة الشرف فى الاسرار وجزاء عقله مطالعة الصفات وجزاء روحه شف انوار الذات وجزاء سره ادراك الاسرار القدسيات وجزاء صورته الجلوس فى مجالس وصال الابديات وايضا توزن الاعمال بميزان الاخلاص

عبادت باخلاص نيت نكوست وكرنه جه آيد زبى مغزبوست

والاحوال بميزان الصدق

بصدق كوش كه خورشيد زآيد ازنفست كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست

فمن كانت اعماله بالرياء مصحوبة لم تقبل اعماله

منه آب زرجان من بريشين كه صراف دانا نكيرد بجيز

ومن كانت احواله بالعجب مشوبة لم ترفع احواله

حال خود از عجب دل تخليص كن از عمل توفيق را تخصيص كن
كر بخواهى تاكران معنى شوى وزن كن حالت بميزان شوى
جون ترازوى تو كج بود ودغا راست جون جويى ترازوى جزا