خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ
٨٠
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ وعلمناه صنعة لبوس } اى عمل الدروع: وبالفارسية [ساختن زره] والصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا والصناعة ككتابة حرفة الصانع وعمل الصنعة واللبوس فى الاصل اللباس درعا كان او غيرها ولبس الثوب استتر به وكان الدروع قبل داود صفائح اى قطع حديد عراضا فحلقها وسردها { لكم } اى لنفعكم متعلق بعلمنا او بمحذوف هو صفة لبوس.
والمعجزة فيه ان فعل ذلك من غير استعانة باداة وآلة من نحو الكير والنار والسندان والمطرقة.
وكان لقمان يجلس مع داود ويرى ما يصنع ويهمّ ان يسأل عنها لانه لم يرها قبل ذلك فيسكت فلما فرغ داود من الدرع قام وافرغه على نفسه وقال نعم الرداء هذا للحرب فقال لقمان عندها ان من الصمت لحكمة.
قالت الحكماء وان كان الكلام فضة فالصمت من ذهب

اكر بسيار دانى اندكى كوى يكى راصد مكوصدار يكى كوى

{ لتحصنكم } لتحرزكم اى اللبوس بتأويل الدرع ودرع حصينة لكونها حصنا للبدن فتجوّز به فى كل تحرز وهو بدل اشتمال من لكم باعادة الجار لان لتحصنكم فى تأويل لاحصانكم وبين الاحصان وضمير لكم ملابسة الاشتمال مبين لكيفية الاختصاص والمنفعة المستفادة من لكم { من بأسكم } البأس هنا الحرب وان وقع على السوء كله اى من حرب عدوكم: وبالفارسية [از كارزار شما يعنى ازقتل وجراحت دركار زار بماندند تيغ وتيرو نيزه].
وفى الآية دلالة على ان جميع الصنائع بخلق الله وتعليمه وفى الحديث
"ان الله خلق كل صانع وصنعه" وفى المثنوى

قابل تعليم وفهمست اين خرد ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين ازوحى بود اول اوليك عقل آنرا فزود

{ فهل انتم شاكرون } ذلك يعنى قد ثبت عليكم النعم الموجبة للشكر حيث سهل عليكم المخرج من الشدائد فاشكروا له.
قال الكاشفى: يعنى [شكر كوييد خدايرا برجنين لباس] فهو امر وارد على صورة الاستفهام والخطاب لهذه الامة من اهل مكة ومن بعدهم الى يوم القيامة اخبر الله تعالى ان اول من عمل الدرع داود ثم تعلم الناس فعمت النعمة بها كل محارب من الخلق الى آخر الدهر فلزمهم شكر الله على هذه النعمة.
وقال بعضهم الخطاب لداود واهل بيته بتقدير القول اى فقلنا لهم بعدما انعمنا عليهم بهذه النعم بل انتم شاكرون وما اعطى لكم من النعم التى ذكرت من تسخير الجبال له والطير والانة الحديد وعلم صنعة اللبوس. قيل ان داود خرج يوما متفكرا طالبا من يسأله عن سيرته فى مملكته فاستقبل جبريل على صورة آدمى ولم يعرفه داود فقال له كيف ترى سيرة داود فى مملكته فقال له جبريل نعم الرجل هو لولا ان فيه خصلة واحدة قال وما هى قال بلغنى انه يأكل من بيت المال وليس شئ افضل من ان يأكل الرجل من كدّ يده فرجع داود وسأل الله ان يجعل رزقه من كدّ يده فألان له الحديد وكان يتخذ الدرع من الحديد ويبيعها ويأكل من ذلك.
يقول الفقير قد ثبت فى الفقه ان فى بيت المال حق العلماء وحق السادات ونحوهم فالاكل منه ليس بحرام عند اهل الشريعة والحقيقة لكن الترك افضل لاهل التقوى كما دل عليه قصة داود وقس عليه الاوقاف ونحوها من الجهات المعينة وذلك لانه لا يخلو عن شبهة فى هذا الزمان مع ان الاستناد الى الرزق المعلوم ينافى التوكل التام ولذا لم يأكل كثير من اهل الحق ربح المال الموقف بل اكلوا مما فتح الله عليهم من الصدقات الطيبة من غير حركة ذهنية منهم فضلا عن الحركة الحسية نعم اكل بعضهم من كسب يده قال الحافظ

فقيه مدرسه دى مست بود وفتوى داد كه مى حرام ولى به زمال اوقافست

غلط الشراح فى شرح هذا البيت واقول تحقيقه ان قوله { ولى به } من كلام الحافظ لا من كلام المفتى. يعنى ان الفقيه كان سكران من شراب الغفلة وحب الدنيا والاعتماد على مال المدرسة ولذا انكر اهل حال العشق وجعل شرابهم الذى هو العشق حراما ولكن ليس الامر كما قال فانه اولى من مال الوقف. يعنى ان العشق والتوكل التام اللذين عليهما محققوا الصوفية افضل من الزهد والاكل من مال الوقف اللذين عليهما فقهاء العصر وعلماؤه فالانكار يتعلق بالفقيه المعتمد لا بالعاشق المتوكل.
قال العلماء كان الانبياء عليهم السلام يحترفون بالحرف ويكتسبون بالمكاسب. فقد كان ادريس خياطا. وقد كان اكثر عمل نبينا عليه السلام فى بيته الخياطة وفى الحديث
"عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء الغزل" كما فى روضة الاخبار وفى الحديث "علموا بنيكم السباحة والرمى ولنعم لهو المؤمنة مغزلها واذا دعا ابوك وامك فاجب امك" كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الحديث "صرير مغزل المرأة يعدل التكبير فى سبيل الله والتكبير فى سبيل الله اثقل فى الميزان من سبع سموات وسبع ارضين" وفى الحديث "المغزل فى يد المرأة الصالحة كالرمح فى يد الغازى المريد به وجه الله تعالى" كما فى مجمع الفضائل. وكان نوح نجارا. وابراهيم بزازا وفى الحديث "لو اتجر اهل الجنة لا تجروا فى البز ولو اتجر اهل النار لا تجروا فى الصرف" كذا فى الاحياء. وداود زرادا. وآدم زراعا وكان اول من حالك ونسج ابونا آدم.
قال كعب مرت مريم فى طلب عيسى بحاكة فسألت عن الطريق فارشدوها الى غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وامتهم فقراء وحقرهم فى اعين الناس فاستجيب دعاؤها ولذا قيل لا تستشيروا الحاكة فان الله سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم. وكان سليمان يعمل الزنبيل فى سلطته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال. وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة فانه عليه السلام آجر نفسه قبل النبوة فى رعى الغنم قال
"وما من نبى الا وقد رعاها" ومن حكمة الله فى ذلك ان الرجل اذا استرعى الغنم التى هى اضعف البهائم سكن قلبه الرأفة واللطف تعطفا فاذا انتقل من ذلك الى رعاية الخلق كان قد هرب اولا من الحدة الطبيعية والظلم الغريزى فيكون فى اعدل الاحوال وحيئنذ لا ينبغى لاحد عير برعاية الغنم ان يقول كان النبى عليه السلام يرعى الغنم فان قال ذلك ادّب لان ذلك كما علمت كمال فى حق الانبياء دون غيرهم فلا ينبغى الاحتجاج به ويجرى ذلك فى كل ما يكون كمالا فى حقه عليه السلام دون غيره كالامية فمن قيل له انت امى فقال كان عليه السلام اميا يؤدب كما فى انسان العيون.
يقول الفقير فقول السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية.

يك كدا بود سليمان بعصا وزنبيل يافت ازلطف توآن حشمت ملك آرايى
مصطفى بود يتيمى زعرب بست درت دادش انعام توتاج شرف بالايى

ترك ادب لانه يوهم التحقير فى شأنهما العظيم. وكان صالح ينسج الا كسية جمع كساء بالفارسية [كليم] وعيسى يخصف النعل ويرقعها. وافضل الكسب الجهاد وهو حرفة رسول الله عليه السلام بعد النبوة والهجرة. ثم التجارة بشرط الامانة بحيث لا يخون على مقدار حبة اصلا. ثم الحراثة. ثم الصناعة كما فى المختار والتحفة. ويجتنب المكاسب الخبيثة اى الحرام والرديئ ايضا نحو اجرة الزانية والكاهن وهو الذى يخبر عن الكوائن المستقبلة او عما مضى وعن نحوسة طالبع او سعد او دولة او محنة او نحو ذلك. ويجتنب عن صنعه الملاهى ونحوها. وكره للرجل ان يكون بائع الا كفان لانه يوجب انتظار موت الناس او حناطا يحتكر او جزارا وهو القصاب الذى يذبح الدواب لما فيه من قساوة القلب. او صائغا بالفارسية [زركر] لما فيه من تزيين الدنيا وقد كرهوا كل ما هو بمعناه كصناعة النقش وتشييد البنيان بالجص ونحو ذلك. او نخاسا وهو الذى يبيع الناس من الذكور والاناث.
يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر. وكره ان يكون حجاما او كناسا او دباغا وما فى معناه لما فيه من مخالطة النجاسة. وكره ابن سيرين وقتادة اجرة الدلال لقلة اجتنابه عن الكذب وافراطه فى الثناء على السلعة لترويجها - روى - ان اول من دل ابليس حيث قال
{ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } كما فى روضة الاخبار.