خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ وذا النون } اى واذكر صاحب النون اى الحوت والمراد يونس ابن متى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة فوق مفتوحة.
قيل هو اسم ام يونس كذا فى جامع الاصول.
قال عطاء سألت كعبا عن متى أهو اسم ابيه ام امه فقال اسم ابيه وامه بدورة وهى من ولد هارون وسمى يونس بذى النون لانه ابتلعه الحوت.
قال الامام السهيلى اضافه هنا الى النون وقد قال فى سورة القلم
{ ولا تكن كصاحب الحوت } وذلك انه حين ذكره فى موضع الثناء عليه قال ذو النون فان الاضافة بذو اشرف من الاضافة بصاحب لان قولك ذو يضاف الى التابع وصاحب الى المتبوع تقول ابو هريرة رضى الله عنه صاحب النبى عليه السلام ولا تقول النبى صاحب ابى هريرة الاعلى جهة واما ذو فانك تقول ذو المال وذو العرش فتجد الاسم للاسم متبوعا غير تابع ولفظ النون اشرف من الحوت لوجوده فى حروف التهجى وفى اوائل بعض السور نحو { ن والقلم } }{ { اذ ذهب } اى اذكر خبره وقت ذهابه حال كونه { مغاضبا } مراغما لقومه اهل نينوى وهى قرية بالموصل لما مر من طول دعوته اياهم وشدة شكيمتهم وتمادى اصرارهم مهاجرا عنهم قبل ان يؤمر وبناء المفاعلة للدلالة على كمال غضبه والمبالغة فيه وقيل وعدهم بنزول العذاب لاجل معلوم وفارقهم ثم بلغه بعد مضى الاجل انه تعالى لم يعذبهم ولم يعلم سببه وهوانهم حين رأوا امارات العذاب تابوا واخلصوا فى الدعاء فظن انه كذبهم وغضب من اندفاع العذاب عنهم وذهب غضبان وهذا القول انسب بتقرير الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وهو من كبار المحققين فكلامه راجح عند اهل اليقين { فظن ان لن نقدر عليه } اى لن نضيق عليه الامر يقال قدر على عياله قدرا ضيق وقدرت عليه الشئ ضيقته كأنما جعلته بقدر خلاف ما وصف بغير حساب نزل حاله منزلة من يظن ذلك.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الانسان اذا استولى عليه الغضب يلتبس عليه عقله ويحتجب عنه نور ايمانه حتى يظن بالله ما لا يليق بجلاله وعظمته ولو كان نبيا وان من كمال قوة نبينا عليه السلام انه كان يغضب ولا يقول فى الرضى والغضب الا الحق.
وفيه اشارة اخرى وهى ان الله تعالى من كمال فضله وكرمه على عباده وان كانوا عصاة مستوجبين للعذاب ان يعاتب انبياءه لهم ولا يضرى عنهم اشتهاء نزول عذاب الله بقومهم وكراهية دفع العذاب عنهم بل يرضى لهم ان يستغفروا لهم ويستعفوه لدفع العذاب عنهم كما قال لنبينا عليه السلام
"فاعف عنهم واستغفر لهم" وقال فى حق الكفار وكان النبى عليه السلام يلعن بعضهم "ليس لك من الامر شئ او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون" انتهى - روى - انه حين خرج مغاضبا اتى بحر الروم فوجد قوما هيأوا السفينة فركب معهم فلما توسطت السفينة البحر وقفت ولم تجر بحال فقال الملاحون هنا رجل عاص او عبد آبق لان السفينة لا تفعل هذا الا وفيها عاص او آبق ومن عادتنا اذا ابتلينا بهذا البلاء ان نقترع فمن وقعت عليه القرعة القيناه فى البحر فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة فيها كلها على يونس فقال انا الرجل العاصى والعبد الآبق فالقى نفسه فى البحر فجاء حوت فابتلعه فاوحى الله تعالى الى الحوت ان لا تؤذى منه شعرة فانى جعلت بطنك سجنا له ولم اجعله طعاما { فنادى } الفاء فصيحة اى فكان ما كان من القرعة والتقام الحوت فنادى { فى الظلمات } اى فى الظلمة الشديدة المتكائفة او فى ظلمات بطن الحوت والبحر والليل.
وقال الشيخ السمرقندى فى تفسيره وعندى والله اعلم ان تلك الظلمات كانت من الجهات الست كما قال عليه السلام
"ورأيت رجلا من امتى من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته يديه ظلمة فهو متحير فى الظلمات" { ان } اى بانه { لا اله الا انت }.
قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الروح الشريف اذا القى فى بحر الدنيا والتقمه حوت النفس الامارة بالسوء وابتلع حوت النفس حوت القالب يكون من النوادر سلامة الروح من آفات النفس بحيث لا تتصرف فيه ولا تغيره عن صفاته بوحى الحق اليها بان لا تؤذيه فانى لم اجعله طعمه لك وانما جعلتك حرزا وسجنا له كما كان حال يونس وسلامته فى بطن الحوت من النوادر ومن سلامة الروح ان يناديه فى ظلمة النفس وظلمة القالب وظلمة الدنيا ان لا اله الا انت اى لا اله يحفظنى من هذه الظلمات ويسلمنى من آفاتها وفتنتها ويلهمنى ان اذكره فى هذا الموطن على هذه الحالة الا انت { سبحانك } انزهك تنزيها لائقا بك من ان يعجزك شئ وان يكون ابتلائى هذا بغير سبب من جهتى كما قال فى المثنوى

هرجه برتوآيد از ظلمات غم آن زبى باكى وكستاخيست هم

وفى التأويلات النجمية نزهه عن الظالم عليه وان كان فعله بخلق فيه كما قال تعالى { والله خلقكم وما تعملون } ونسب الظلم الى نفسه اعترافها واستحقاقا ورعاية للادب فقال { انى كنت من الظالمين } لانفسهم بتعريضها للهلاك حيث بادرت الى المهاجرة: وفى المثنوى

جون بكويى جاهلم تعليم ده اينجينين انصاف ان ناموس به
از بدر آموز اى روشن جبين ربنا كفت وظلمنا ييش ازين
نى بهانه كردونى تزوير ساخت نى لواى مكروحيلت رفراخت

وفى عرائس البقلى قدس سره ان الله اراد ليونس معراجا ومشاهدة فى بطن الحوت فتعلل بالامر والنهى والمقصود منه القرابة والمشاهدة فاراه الحق فى طباق الثرى فى ظلمات بطن الحوت ما رأى محمد عليه السلام فوق العرش فلما رأى الحق تحير فى حاله فقال { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } نزهتك عما ظنننت فيك فانت بخلاف الظنون واوهام الحدثان { انى كنت من الظالمين } فى وصف جلالك اذ وصفى لا يليق بعزة وحدانيتك فوقع هذا القول منه موقع قول سيد المرسلين حيث قال "لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك" ولذلك قال عليه السلام "لا تفضلونى على اخى يونس" فلما رأى ما رأى استطاب الموضع فظن ان لا يدرك ما ادرك فى الدنيا بعد فغاب الحق عنه فاهتم ودعا بالنجاة فنجاه الله من وحشة بطن الحوت بقوله { فاستجبنا له } اى دعاءه الذى فى ضمن الاعتراف بالذنب على الطف وجه وآكده.
وفيه اشارة الى انه تعالى كما اجاب يونس ونجاه من ظلمات عالم الاجسام كذلك ينجى روح المؤمن المؤيد منه من حجب ظلمات النفس والقالب والدنيا ليذكره بالوحدانية فى ظلمات عالم الاجساد كما كان يذكره فى انوار عالم الارواح ويكون متصرفا فى عالم الغيب والشهادة باذنه خلافة عنه كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث
"ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الا استجيب له"
وعن الحسن ما نجاه والله الا اقراره على نفسه بالظلم.
وفى صحيح المستدرك قال عليه السلام
"اسم الله الاعظم الذى اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى لا اله الا انت" الخ { ونجيناه من الغم } من غم الالتقام والبحر بان قذفه الحوت الى الساحل بعد اربع ساعات او ثلاثة ايام او سبعة او اربعين والذهاب به الى البحار القاصية وتخوم الارض السابعة.
وقال بعضهم كان رأس الحوت فوق الماء وفمه مفتوحا.
وعن ابى هريرة رضى الله عنه يرفعه اوحى الله الى ا لحوت ان خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فاخذه ثم هوى به الى مسكنه فى البحر فلما انتهى به الى اسفل البحر سمع يونس حسا فقال فى نفسه ما هذا فاوحى الله اليه ان هذا تسبيح دواب البحر فسبح هو فى بطنه فسمع الملائكة تسبيحه وقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بارض غريبة. وفى رواية صوتا معروفا من مكان مجهول فقال ذاك عبدى يونس عصانى فحبسته فى بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذى كان يصعد اليك منه فى كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا عند ذلك فامر الحوت فقذفه فى الساحل { وكذلك } اى مثل ذلك الانجاء لا انجاء ادنى منه { ننجى المؤمنين } من غموم دعوا الله فيها بالاخلاص.
وعن جعفر بن محمد قال عجبت ممن يبتلى باربع كيف يغفل عن اربع عجبت لمن يبتلى بالهم كيف لا يقول
{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } لان الله تعالى يقول { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } وعجبت لمن يخاف شيئا من السوء كيف لا يقول { حسبى الله ونعم الوكيل } لان الله تعالى يقول { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } وعجبت لمن يخاف مكر الناس كيف لا يقول { وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد } لان الله تعالى يقول { فوقاه الله سيآت ما مكروا } وعجبت لمن يرغب فى الجنة كيف لا يقول { ما شاء الله لا قوة الا بالله } لان الله تعالى يقول { فعسى ربى ان يؤتين خيرا من جنتك
} "قال قتادة ذكر لنا رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم ما كنت تعاقبنى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا فمرض الرجل مرضا شديدا فأضنى حتى صار كأنه هامة فاخبر به رسول الله فاتاه فرفع رأسه وليس به حراك فقيل يا رسول الله انه كان يدعو بكذا وكذا فقال عليه السلام يا ابن آدم انك لن تستطيع ان تقوم بعقوبة الله تعالى ولكن قل اللهم ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فدعا بها فبرئ" .
وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه انه قال يا رسول الله اروّع فى منامى قال قل { اعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين ان يحضرونى }: وفى المثنوى

تا فرود آيد بلا بى دافعى جون نباشد ازتضرع شافعى
جز خضوع وبندكى واضطرار اندرين حضرت ندارد اعتبار
رور را بكذار وزارى را بكير رحم سوى زارى آيد اى فقير
زارئ مضطركه تشنه معنويست زارئ سردى دروغ آن غويست
كريه اخوان يوسف حيلتست كه درونشان برزرشك وعلتست