خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٦٠
-الحج

روح البيان في تفسير القرآن

{ ذلك } خبر مبتدأ محذوف اى الامر ذلك الذى قصصنا علكيم وبينا لكم والجملة لتقرير ما قبله والتنبيه على ان ما بعده كلام مستأنف { ومن } [وهركه] { عاقب بمثل ما عوقب به } اى من جازى الظالم بمثل ماظلم ولم يزد فى الاقتصاص والعقوبة اسم لما يعقب الجرم من الجزاء وانما سمى الابتداء بالعقاب الذى هو جزاء الجناية اى مع انه ليس بجزاء يعقب الجريمة للمشالكة او على المجاز المرسل فانه ما وقع ابتداء سبب لما وقع جزاء وعقوبة فسمى السبب باسم المسبب { ثم بغى عليه } ظلم عاليه بالمعاودة الى العقوبة يقال بغى عليه بغيا علا وظلم، قال الراغب البغى طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه اولم يتجاوزه فتارة يعتبر فى القدرة التى هى الكمية وتارة يعتبر فى الوصف الذى هو الكيفية يقال بغيت الشىء اذا طلبت اكثر ما يجب { لينصرنه الله } على من بغى عليه لا محالة وهو خبر من { ان الله لعفو غفور } مبالغ فى العفو والغفران فيعفو عن المنتصر ويغفر له ما صدر عنه من ترجيح الانتقام على العفو والصبر المندوب اليهما بقوله { ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الامور } فالعفو وان اقتضى سابقية الجناية من المعفو عنه لكن الجناية لا تلزم ان تكون بارتكاب المحرم بل قد يعد ترك ما ندم اليه جناية على سبيل الزجر والتغليظ وفى بحر العلوم العفو محاء للذنوب بازالة آثرها من ديوان الحفظة والقلوب بالكلية كى لا يطالبهم بها يوم القيامة ولا يخجلوا عند تذكرها وبان يثبت مكان كل ذنب عملا صالحا كما قال { اولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } غفور اى مريد لازالة العقوبة عن مستحقها من الغفر وهو الستر اى ستور عليهم وقدم العفو لانه ابلغ لانه يشعر بالمحو الذى هو ابلغ من الستر وفيه اشارة الى ان الاليق بالمنتصر والاقرب بحاله ان يعفو ويغفر عن كل من ظلمه ويقابله بالاحسان

بدى را بدى سهل باشد جزا اكر مردى احسن الى من اساء

ولا يذكر ما صدر منه من انواع الجفاء والاذى فانه متى فعل ذلك فان الله اكرم الاكرمين اولى ان يفعل ذلك على ان الانتصار لا يؤمن فيه تجاوز التسوية والاعتداء خصوصا فى حال العضب والحرب والتهاب الحمية فربما كان المنتصر من الظالمين وهو لايشعر انتهى كلام البحر، يقول الفقير سمعت من فى حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول الانسان الكامل كالبحر فمن آذاه واغتابه او قصد اليه بسوء فانه لا يتكدر به بل يعفو عنه ألا يرى ان الوبل اذا وقع فى البحر فالبحر يطهره وكذا من اجنب اذا دخل البحر واغتسل فانه يتطهر ولا يتغير البحر لا بالبول ولا بدخول الجنب وقال روح الله روحه من قال حقنا قولا فاحشا او فعل فعلا مكروها فهو فى حل فانه ارادة الانتقام له او وقوعه فى امر مكروه من باب الشرك فى طريقنا فنحن لانلتف اليه اصلا بل الى ما وتر الله لنا من الامور وكل فعله حسن وقد اخفى جماله فى جلاله واطال فى ذلك وهو مذكور فى كتابنا المسمى بتمام الفيض، قال فى الخلاصة فى كتاب الحدود رجل قال لآخر يا خبيث هل يقول له بل انت الاحسن ان يكف عنه ولا يجيب ولو رفع الامر الى القاضى ليؤدب يجوز ومع هذا لو اجاب لا بأس به، وفى مجمع الفتاوى فى كتاب الجنايات لو قال لغيره يا خبيت فجازاه بمثله جاز لانه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال الله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل } والعفو افضل قال الله تعالى { فمن عفا و اصلح فاجره على الله } وان كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغى له ان يجيبه بمثلها تجرزا عن ايجاب الحد على نفسه انتهى كما قال فى التنوير لو قال لآخر يا زانى فقال الآخر لا بل انت الزانى حد بخلاف مالو قال له مثلا يا خبيث فقال انت تكافئا، وفى التنوير ايضا ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب بعزران ويبدأ فى اقامة التعزير بالبادى.