خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
-المؤمنون

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاذا نفخ فى الصور } لقيام الساعة وهى النفخة الثانية التى عندها البعث والنشور والنفخ نفخ الريح فى الشىء والصور مثل قرن ينفخ فيه فيجعل الله ذلك سببا لعود الارواح الى اجسادها { فلا انساب بينهم } تنفعهم لزوال التراحم والتعاطف من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه او لا انساب يفتخرون بها والنسب القرابة بين اثنين فصاعدا اى اشتراك من جهة احد الابوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الاباء والابناء ونسب بالعرض كالنسب بين الاخوة وبنى الاعمام { يومئذ } كما بينهم اليوم { ولا يتساءلون } اى لا يسأل بعضهم بعضا فلا يقول له من انت ومن أى قبيلة ونسب انت ونحو ذلك لاشتغال كل منهم بنفسه لشدة الهول فلا يتعارفون ولا يتساءلون كما انه اذا عظم الامر فى الدنيا لم يتعرف الوالد لولده ولا يناقضه قوله تعالى { فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون } لان عدم التساؤل عند ابتداء النفخة الثانية قبل المحاسبة والتساؤل بعد ذلك وايضا يوم القيامة يوم طويل فيه خمسون موطنا كل موطن الف سنة ففى موطن يشتد عليم الهول والفزع بحيث يشغلهم عن التساؤل والتعارف فلا يفطنون لذلك وفى موطن يفيقون افاقة فيتساءلون وتتعارفون، وعن الشعبى قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله اما نتعارف يوم القيامة اسمع الله يقول { فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فقال عليه السلام "ثلاثة مواطن تذهل فيها كل نفس حين يرمى الى كل انسان كتابه وعند الموازين وعلى جسر جهنم" قال ابن مسعود رضى الله عنه يؤخذ بيد العبد والامة يوم القيامة فينصب على رؤس الاولين والآخرين ثم ينادى مناد ألا ان هذا فلان ابن فلان فمن كان له عليه حق فليأت الى حقه فيفرح العبد يومئذ ان يثبت له حق على والده وولده او زوجته واخيه فلا انساب بينهم يومئذ، وعن قتادة لاشىء ابغض الى الانسان يوم القيامة من ان يرى من يعرفه ان يثبت له عليه شىء ثم تلا { يوم يفر المرء من اخيه } الآية، قال محمد بن على الترمذى قدس سره الانساب كلها منقطعة الا من كانت نسبته صحيحة فى عبودية ربه فان تلك نسبة لاتنقطع ابدا وتلك النسبة المفتخر بها لانسبة الاجناس من الآباء والامهات والاولاد، قال الاصمعى كنت اطوف بالكعبة فى ليلة مقمرة فسمعت صوتا حزينا فتبعت الصوت فاذا انا بشاب حسن ظريف تعلق باستار الكعبة وهو يقول نامت العيون وغارت النجوم وانت الملك الحى القيوم وقد غلقت الملوك ابوابها واقامت عليها حرسها وحجابها وبابك مفتوح للسائلين فها انا سائلك ببابك مذنبا فقيرا مسكينا اسيرا جئت انتظر رحمتك يا ارحم الرحمين ثم انشأ يقول

يامن يجيب دعا المضطر فى الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع القسم
قد نام وفدى حول البيت وانتبهوا وانت ياحى ياقيوم لم تنم
ادعوك ربى ومولاى ومستندى فارحم بكائى بحق البيت والحرم
انت الغفور فجد لى منك مغفرة اواعف عنى ياذا الجود والنعم
ان كان عفوك لا يرجوه ذو جرم فمن يجود على العاصين بالكرم

ثم رفع رأسه نحو السماء وهو ينادى يا الهى وسيدى مولاى ان اطعتك فلك المنة على وان عصيتك فبجهلى فلك الحجة على اللهم فباظهار منتك على واثبات حجتك لدىّ ارحمنى واغفر ذنوبى ولا تحرمنى رؤية جدى قرة عينى وحبيبك وصفيك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم انشأ يقول

ألا ايها المأمول فى كل شدة اليك شكوت الضر فارحم شكايتى
ألا يارجائى انت كاشف كربتى فهب لى ذنوبى كلها واقض حاجتى
فزادى قليل مااراه مبلغى على الزاد ابكى ام لبعد مسافتى
اتيت باعمال قباح رديئة وما فى الورى خلق جنى كجنايتى

فكان يكرر هذه الابيات حتى سقط على الارض مغشيا عليه فدنوت منه فاذا هو زين العابدين على بن الحسين بن على بن ابى طالب فوضعت رأسه فى حجرى وبكيت لبكائه بكاء شديدا شفقة عليه فقطر من دموعى على وجهه فافاق من غيشته وفتح عينه وقال من الذى شغلنى عن ذكر مولاى فقلت انا الاصمعى يا سيدى ما هذا البكاء وماهذا الجزع وانت من اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة أليس الله يقول { انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا } قال فاستوى جالسا وقال يا اصمعى هيهات ان الله تعالى خلق الجنة لمن اطاعه وان كان عبدا حبشيا خلق النار لمن عصاه وان كان ملكا قرشيا اما سمعت قوله تعالى { فاذا نفخ فى الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون }.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان نفحة العناية الربوبية اذا نفخت فى صور القلب قامت القيامة وانقطعت الاسباب فلا يلتفت احد الى احد من انسابه لا الى اهل ولا الى ولد لاشتغاله بطلب الحق تعالى واستغراقه فى بحر المحبة فلا يسأل بعضهم بعضا عم تركوا من اسباب الدنيا ولا عن احوال اهاليهم واخدانهم واوطانهم واذا فارقوها كان لكل امرىء منهم يومئذ شأن فى طلب الحق يغنيه عن مطالبة الغير.