خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٣
-النور

روح البيان في تفسير القرآن

{ وليستعفف } ارشاد للعاجزين عن مبادى النكاح واسبابه الى ماهو اولى لهم واحرى بهم بعد بيان جواز مناكحة الفقراء والعفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة والمتعفف المتعاطى لذلك بضرب من الممارسة والقهر والاستعفاف طلب العفة. والمعنى ليجتهد فى العفة وقمع الشهوة { الذين لايجدون نكاحا } اى اسباب نكاح من مهر ونفقة فانه لا معنى لوجدان نفس العقد والتزوج وذلك بالصوم كما قال عليه السلام "ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه لو وجاء" معناه ان الصوم يضعف شهوته ويقهرها عن طلب الجماع فيحصل بذلك صيانة الفرج وعفته فالامر فى { ليستعفف } محمول على الوجوب فى صورة التوقان { حتى يغنيهم الله من فضله } فيجدوا ما يتزوجون به، قال فى ترجمة الفتوحات [بعض ازصالحانرا جيزى نبود وزن خواست فرزند آمد وما يحتاج آن نداشت بس فرزندرا كرفت وبيرون آمد وندا كردكه اين جزاى آنكس است كه فرمان حق نبرد كفتند زناكرده كفت نى ولكن حق تعالى فرمود { وليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } من فرمان نبردم وتزوج كردم وفضيحت شد مردمان بروى شفقت كردند وباخير تمام بمنزل خود بازكشت] اى فكان التزوج سببا للغنى كما فى الآية الاولى.
قال فى التأويلات النجمية { وليستعفف الذين لايجدون نكاحا } اى ليحفظ الذين لايجدون شيخا فى الحال ارحام قلوبهم عن تصرفات الدنيا والهوى والشيطان { حتى يغنيهم الله من فضله } بان يدلهم على شيخ كامل كما دل موسى على الخضر عليهما السلام او يقيض لهم شيخا كما كان يبعث الى كل قوم نبيا او يختص بجذبة عناية من يشاء من عباده كما قال تعالى
{ يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب } فلا يخلو حال المستعفف عن هذه الوجوه { والذين يبتغون الكتاب } الابتغاء الاجتهاد فى الطلب والكتاب مصدر كاتب كالمكاتبة اى الذين يطلبون المكاتبة { مما ملكت ايمانكم } عبدا كان او امة وهى ان يقول المولى لمملوكه كاتبتك على كذا كذا درهما تؤديه الىّ وتعتق ويقول المملوك قبلته او نحو ذلك فان اداه اليه عتق يقال كاتب عبده كتابا اذا عاقده على مال منجم يؤديه على نجوم معلومة فيعتق اذا ادى الجميع فان المكاتب عبد ما بقى عليه درهم ومعنى المفاعلة فى هذا العقد ان المولى يكتب اى يفرض ويوجب على نفسه ان يعتق المكاتب اذا ادى البدل ويكتب العبد على نفسه ان يؤدى البدل من غير اخلال وايضا بدل هذا العقد مؤجل منجم على المكاتب والمال المؤجل يكتب فيه كتاب على من عليه المال غالبا، وفى المفردات كتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يوديه من كسبه واشتقاقها يصح ان يكون من الكتابة التى هى الايجاب وان يكون من الكتب الذى هو النظم باللفظ والانسان يفعل ذلك ـ روى ـ ان صبيحا مولى حويطب بن عبد العزى سأل مولاه ان يكاتبه فابى عليه فنزل الآية كما فى التكملة { فكاتبوهم } خبر الموصول والفاء لتضمنه معنى الشرط اى فاعطوهم ما يطلبون من الكتابة والامر فيه للندب لان الكتابة عقد يتضمن الارفاق فلا تجب كغيرها ويجوز حالا ومنجما وغير منجم عند ابى حنيفة رضى الله عنه { ان علمتم فيهم خيرا } اى امانة ورشدا وقدرة على اداء البدل لتحصيله من وجه الحلال وصلاحا بحيث لايؤذى الناس بعد العتق واطلاق العنان، قال الجنيد ان علمتم فيهم علما بالحق وعملا به وهو شرط الامر اى الاستحباب للعقد المستفاد من قوله فكاتبوهم فاللازم من انتفائه انتفاء الاستحباب لا انتفاء الجواز { وآتوهم من مال الله الذى آتيكم } امر للموالى امر ندب بان يدفعوا الى المكاتبين شيأ مما اخذوا منهم وفى معناه حط شىء من مال الكتابة وقد قال عليه السلام "كفى بالمرء من الشح ان يقول آخذ حقى لا اترك منه شيئا" وفى حديث الاصمعى اتى اعرابى قوما فقال لهم هذا فى الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتفضل افضل من اخذ الحق كله كذا فى المقاصد الحسنة للسخاوى، قال الكاشفى [حويطب صبيح را بصد دينار مكاتب ساخته بود بعد از استماع اين آيت بيست دينار بدو بخشيد] يعنى وهب له منها عشرين دينارا فاداها وقتل يوم حنين فى الحرب واضافة المال اليه تعالى ووصفه باتيانه اياهم للحث على الامتثال بالامر بتحقيق المأمور به فان ملاحظة وصول المال اليهم من جهته تعالى مع كونه هو المالك الحقيقى له من اقوى الدواعى الى صرفه الى الجهة المأمور بها، قال بضعهم هو امر لعامة المسلمين باعانة المكاتبين بالتصدق عليهم: يعنى [خطاب { وآتوهم } راجع بعامه مسلما نانست كه اعانت كنند اورا زكات بدهند تامال كتابت ادا كند وكردن خودرا از طوق بندكى مخلوق بيرون آزد وبدين سبب اين خير را فك رقبه مى كويند واز عقبه عقوبت بدان ميتوان كذشت]

بشنو از من نكته اى زنده دل وز بس مركم به نيكى يادكن
كه بلطف آزاده را بنده ساز كه باحسان بنده آزاد كن

وفى الحديث "ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب الذى يريد الاداء والناكح يريد العفاف والمجاهد فى سبيل الله" واختلفوا فيما اذا مات المكاتب قبل اداء النجوم فقال ابو حنيفةرحمه الله ومالك ان ترك وفاء بما بقى عليه من الكتابة كان حرا وان كان فيه فضل فالزيادة لاولاده الاحرار وقال الشافعى احمد يموت رقيقا وترتفع الكتابة سواء ترك مالا او لم يترك كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع { ولاتكرهوا فتياتكم } اى اماءكم فان كلا من الفتى والفتاة كناية مشهوره عن العبد والامة وباعتبار المفهوم الاصلى وهو ان الفتى الطرى من الشباب ظهر مزيد مناسبة الفتيات لقوله تعالى { على البغاء } وهو الزنى من حيث صدوره عن الشواب لانهن اللاتى يتوقع منهن ذلك غالبا دون من عداهن من العجائز والصغائر يقال بغت المرأة بغاء اذا فجرت وذلك لتجاوزها الى ما ليس لها ثم الاكراه انما يحصل متى حصل التخويف بما يقتضى تلف النفس او تلف العضو واما اليسير من التخويف فلا تصير مكرهة { ان اردن تحصنا } تعففا اى جعلن انفسهن فى عفة كالحصن وهذا ليس لتخصيص النهى بصورة ارادتهن التعفف عن الزنى واخراج ماعداها من حكمه بل للمحافظة على عادتهم المستمرة حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه وكان لعبد الله بن ابىّ ست جوار جميلة يكرههن على الزنى وضرب عليهن ضرائب جمع ضريبة وهى الغلة المضروبة على العبد والجزية فشكت اثنتان الى رسول الله وهما معاذة ومسيكة فنزلت وفيه من زيادة تقبيح حالهم وتشنيعهم على ماكانوا يفعلونه من القبائح مالا يخفى فان من له ادنى مروءة لايكاد يرضى بفجور من يحويه من امائه فضلا عن امرهن او اكراههن عليه لاسيما عند ارادتهن التعفف وايثار كلمة ان على اذ مع تحقق الارادة فى مورد النص حتما للايذان بوجوب الانتهاء عن الاكراه عند كون ارادة التحصن فى حيز التردد والشك فكيف اذا كانت محققة الوقوع كما هو الواقع { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا } قيد للاكراه والعرض ما لايكون له ثبوت ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له قائما بالجوهر كاللون والطعم وقيل الدنيا عرض حاضر تنبيها على ان لا ثبات لها والمعنى لا تفعلوا ما انتم عليه من اكراههن على البغاء لطلب المتاع السريع الزوال من كسبهن وبيع اولادهن، قال الكاشفى [در تبيان آورده كه زانى بودى كه صد شتر ازبراى فرزندى كه ازمزنى بها داشت بدادى] { ومن } [هركه] { يكرههن } على ماذكر من البغاء { فان الله من بعد اكراههن } اى كونهن مكرهات على ان الاكراه مصدر من المبنى للمفعول { غفور رحيم } اى لهن وتوسيط الاكراه بين اسم ان وخبرها للايذان بان ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة، وفيه دلالة على ان المكرهين محرومون منهما بالكلية وحاجتهن الى المغفرة المنبئة عن سابقة الاثم باعتبار انهن وان كن مكرهات لا يخلون فى تضاعيف الزنى عن شائبة مطاوعة بحكم الجبلة البشرية، وفى الكواشى المغفرة ههنا عدم الاثم لانها لا اثم عليها اذا اكرهت على الزنى بقتل او ضرب مفض الى التلف او تلف العضو واما الرجل فلا يحل له الزنى وان اكره عليه لان الفعل من جهته ولا يتأتى الا بعزيمة منه فيه فكان كالقتل بغير حق لايبيحه الاكراه بحال انتهى.
وفى الآيتين الكريمتين اشارتان، الاولى ان بعض الصلحاء الذين لم يبلغوا مراتب ذوى الهمم العلية فى طلب الله ولكن ملكت ايمانهم نفوسهم الامارة بالسوء فيريدون كتابتها من عذاب الله وعتقها من النار بالتوبة والاعمال الصالحة فكاتبوهم اى توّبوهم ان تفرستم فيهم آثار الصدق وصحة الوفاء على ما عاهدوا الله عليه فانه لايلزم التلقين لكل من يطلبه وانما يلزم لاهل الوفاء وهم انما يعرفون بالفراسة القوية التى اعطاها الله لاهل اليقين وآتوهم من قوة الولاية والنصح فى الدين الذى اعطاكم الله فان لكل شىء زكاة وزكاة الولاية العلم والمعرفة والنصيحة للمستنصحين والارشاد للطالبين والتعاون على البر والتقوى والرفق بالمتقين وكما ان المال ينتقض بل يزول ويفنى بمنع الزكاة فكذا الحال يغيب عن صاحبه بمنع الفقراء المسترشدين عن الباب ألا ترى ان السلطنة الظاهرة انما هى لاقامة المصالح واعانة المسلمين فكذا السلطنة الباطنة

وللارض من كأس الكرام نصيب

والثانية ان النفوس المتمردة اذا اردن التحصن بالتوبة والعبودية بتوفيق الله وكرمه فلا ينبغى اكراهها على الفساد طلبا للشهوات النفسانية، واعلم ان من لم يتصل نسبه المعنوى بواحد من اهل النفس الرحمانى وادعى لنفسه الكمال والتكميل فهو زان فى الحقيقة ومن هو تحت تربيته هالك لانه ولد الزنى وربما رأيت من يكره بعض اهل الطلب على التردد لباب اهل الدعوى ويصرفه عن باب اهل الحق عنادا وغرضا ومرضا واتباعا لهواه فهو انما يكرهه على الزنى لانه بملازمة باب اهل الباطل يصير المرء هالكا كولد الزنى اذ يفسد استعداده فساد البيضة نسأل الله تعالى ان يحفظنا من كيد الكافرين ومكر الماكرين.