خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
-الفرقان

روح البيان في تفسير القرآن

{ الا من تاب } من الشرك والقتل والزنى { وآمن } وصدق بوحدانية الله تعالى { وعمل عملا صالحا } [وبكند كردارشايسته براى تكميل ايمان] ذكر الموصوف مع جريان الصالح والصالحات مجرى الاسم للاعتناء به والتنصيص على مغايرته للاعمال السابقة والاستثناء لانه من الجنس لان المقصود الاخبار بان من فعل ذلك فانه يحل به ماذكر الا ان يتوب. واما اصابة اصل العذاب وعدمها فلا تعرض لها فى الآية { فاولئك } الموصوفون بالتوبة والايمان والعمل الصالح: وبالفارسية [بس آن كروه] { يبدل الله سيئاتهم } التى عملوها فى الدنيا فى الاسلام { حسنات } يوم القيامة وذلك بان يثبت له بدل كل سيئة حسنة وبدل كل عقاب ثوابا، قال الراغب التبديل جعل الشىء مكان آخر وهو اعم من العوض فان العوض هو ان يصير لك الثانى باعطاء الاول والتبديل يقال للتغيير وان لم تأت ببدله، عن ابى ذر رضى الله عنه قال عليه السلام "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا كذا وهو مقر لاينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول ان لى ذنوبا مااراها ههنا" قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه ثم تلا { فاولئك } الخ، قال الزجاج ليس ان السيئة بعينها تصير حسنة ولكن التأويل ان السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة انتهى، قال المولى الجامى { فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } يعنى فى الحكم فان الاعيان نفسها لاتتبدل ولكن تنقلب احكامها انتهى كلامه فى شرح الفصوص، وقال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى شرح الاربعين حديثا (الطاعات كلها مطهرات) فتارة بطريق المحو المشار اليه بقوله تعالى { ان الحسنات يذهبن السيئات } وبقوله عليه السلام "اتبع الحسنة تمحها" وتارة بطريق التبديل المشار اليه بقوله { الا من تاب وآمن } الخ فالمحو المذكور عبارة عن حقيقة العفو والتبديل من مقام المغفرة وان تنبهت لما اشرت اليه عرفت الفرق بين العفو والمغفرة انتهى كلامه.
وفى التأويلات النجمية { الا من تاب } عن عبادة الدنيا وهوى النفس { وآمن } بكرامات وكمالات اعدها الله لعباده الصالحين مما لاعين رأت ولا اذن سمعت ولاخطر على قلب بشر { وعمل عملا صالحا } لتبليغه الى تلك الكمالات وهو الاعراض عما سوى الله بجملته والاقبال على الله بكليته رجاء عواطف احسانه كما قيل لبعضهم كلى بكلك مشغول فقال كلى لكلك مبذول ولعمرى هذا هو الاكسير والاعظم الذى ان طرح ذرة منه على قدر الارض من نحاس السيآت تبدلها ابريز الحسنات الخالصة كما قال تعالى اخبارا عن اهل هذا الاكسير { فاولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } كما يبدل الاكسير النحاس ذهبا انتهى، يقول الفقير لاشك عند اهل الله تعالى فى انقلاب الاعيان واستحالتها ألا ترى الى انحلال مزاج المادة الاصلية الى غيرها فى العالم الصناعى فاذا انحل المزاج واستحالت المادة الى الصورة الهيولانية صلحت لان يولد الحكيم منها انسان الفلاسفة، قال الامام الجلدكى الارض تستحيل ماء والماء يستحيل هواء والهواء يستحيل نارا وبالعكس النار تستحيل هواء والهواء ماء والماء يستحيل ارضا والعناصر يتسحيل بعضها الى بعض مع ان كل عنصر من العناصر ممتزج من طبيعتين فاعلة ومنفعلة فهذا برهان واضح على انحلال المزاج الى غيره فى الاصول، واما فى الفصول فان الارض تستحيل نباتا والنبات يستحيل حيوانا فوقف الفاضل ابن سينا وقال ان الحيوان لايستحيل اللهم الا ان يفسد الى عناصره ويرجع الى طبائعه فنقول ان الارض والماء اذا لم يفسدا فى الصورة عن كيانهما لما استحالا نباتا والنبات اذا لم يفسد عن كياله لما استحال حيوانا فكيف خفى عليه ان النبات والحيوان يفسدان بالطبخ ويصيران للانسان غذاء وينحل مزاجهما الى الكيموس الغذائى ويصيران فى جوف الانسان دما ويستحيل الدم بالحركة الشوقية بين الذكر والانثى فيصير منيا ثم جنينا ثم انسانا وكذلك جسد الانسان بعد فساده يمكن ان يصير نباتا ويستحيل الى حيوانات شتى مثل الديدان وغيرها ويستحيل الجميع حتى العظام الرفات الى ان تقبل التكوين اذا شربت ماء الحياة وانما الاجزاء الجسدانية للانسان محفوظة معلومة عند الله وان استحالت من صفة الى صفة وتبدلت من حالة الى حالة وانحل مزاج كل منها الى غيره الا ان روحه وعقله ونفسه وذاته الباطنة باقية فى برزخها: قا الحافظ

دست ازمس وجود جومردان ره بشوى تاكيمياى عشق بيابى وزر شوى

{ وكان الله غفورا } ولذلك بدل السيآت حسنات { رحيما } ولذلك اثاب على الحسنات.