خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
٢٢
-الشعراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ وتلك } اى التربية المدلول عليها بقوله { ألم نربك } { نعمة تمنها علىّ } اى تمن بها علىّ ظاهرا وهى فى الحقيقة { ان عبدت بنى اسرائيل } اى تعبيدك بنى اسرائيل وقصدك اياهم بذبح ابنائهم فان السبب فى وقوعى عندك وحصولى فى تربيتك يعنى لو لم يفعل فرعون ذلك اى قهر بنى اسرائيل وذبح ابنائهم لتكفلت ام موسى بتربيته ولما قذفته فى اليم حتى يصل الى فرعون ويربى بتربيته فكيف يمتن عليه بما كان بلاؤه سببا له. قوله تلك مبتدأ ونعمة خبرها وتمنها علىّ صفة وان عبدت خبر مبتدأ محذوف اى وهى فى الحقيقة تعبيد قمى. والتعبيد: بالفارسية [دام كردن وببند كى كرفتن] يقال عبدته اذا اخذته عبدا وقهرته وذللته. رد موسى عليه السلام اولا ما وبخه فرعون قدحا فى نبوته ثم رجع الى ماعده عليه من النعمة ولم يصرح برده حيث كان صدقا غير قادح فى دعواه بل نبه على ان ذلك كان فى الحقيقة نعمة لكونه مسببا عنها. قال بعضهم بدأ فرعون بكلام السفلة ومنّ على نبى الله بما اطعمه والمنة النعمة الثقيلة. ويقال ذلك على وجهين. احدهما ان يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان اذا اثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى { لقدمن الله على المؤمنين } وذلك فى الحقيقة لايكون الا لله تعالى. والثانى ان يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس الا عند كفران النعمة ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة ولحسن ذكرها عند الكفران قيل اذا كفرت النعمة حسنت المنة اى عد النعمة. قال محمد بن على الترمذى قدس سره ليس من الفتوة تذكار الصنائع وتعدادها على من اصطنعت اليه ألا ترى الى فرعون لما لم يكن له فتوة كيف ذكر صنيعه وامتن به على موسى

از ناكسان دهر ثبوت طمع مدار ازطبع دير خاصيت آدمى مجوى

اعلم ان الله تعالى جعل موسى عليه السلام مظهر صفة لطفه بان جعله نبيا مرسلا وله فى هذا المعنى كمالية لا يبلغها الا بالتربية ومقاساة شدائد الرسالة مع فرعون وجعل فرعون مظهر صفة قهره بان جعله مكذبا لموسى ومعاندا له وكان لفرعون كمالية فى التمرد والآباء والاستكبار لم يبلغها ابليس ليعلم ان للانسان استعدادا فى اظهار صفة اللطف لم يكن للملك ولذلك صار الانسان مسجودا للملك والملك ساجده ولو لم يكن موسى عليه السلام داعيا لفرعون الى الله تعالى وهو مكذبه لم يبلغ فرعون الى كماليته فى التمرد ليكون مظهر الصفة القهر بالتربية فى التمرد كذا فى التأويلات النجمية وقس عليهما كل موسى وكل فرعون فى كل عصر الى قيام الساعة فان الاشياء تتبين بالاضداد وتبلغ الى كمالها