خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ
٧٦
-القصص

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان قارون } اسم اعجمى كهارون فلذلك لم ينصرف { كان من قوم موسى } كان ابن عمه يصهر بن قاهش بن لاوى بن يعقوب وموسى بن عمران بن قاهش كان ممن آمن به واقرأ بنى اسرائيل للتوراة وكان يسمى المنور لحسن صورته ثم تغير حاله بسبب الغنى فنافق كما نافق السامرى { فبغى عليهم }. قال الراغب البغى طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه او لم يتجاوزه وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته الى ماليس له. والمعنى فطلب الفضل عليهم وان يكونوا تحت امره وليس ببعيد فان كثرة المال المشار اليها بقوله { وآتيناه من الكنوز } الآية سبب للبغى وامارة بغيه الاباء والاستكبار والعجب والتمرد عن قبول النصيحة وكان يجر ثوبه كبرا وخيلاء وفى الحديث "لاينظر الله يوم القيامة الى من جر ثوبه خيلاء" كان يستخف بالفقراء ويمنع عنهم الحقوق وفى الحديث "اتخذوا الايادى عند الفقراء قبل ان تجيىء دولتهم" اى فان لهم دولة عظيمة يوم القيامة يصل اثرها الى من اطعمهم لقمة او سقاهم شربة او كساهم خرقة او نحو ذلك فيأخذون بايديهم ويدخلون الجنة بامر الله تعالى. قال اهل العلم بالاخبار كان او طغيانه وعصيانه ان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام انه يأمر بنى اسرائيل ان يعلقوا فى ارديتهم خيوطا اربعة خضرا فىكل طرف خيط على لون السماء قال موسى يارب ماالحكمة فيه قال يذكرون اذا رأوها ان كلامى نزل من السماء ولا يغفلون عنى وعن كلامى والعمل به قال موسى أفلا تأمرهم ان يجعلوا ارديتهم كلها خضرا فانهم يحقرون هذه الخيوط فقال ياموسى ان الصغير من امرى ليس بصغير فانهم ان لم يطيعونى فى الصغير لم يطيعونى فى الكبير فامرهم ففعلوا وامتنع قارون وقال انما يفعل هذا الارباب بعبيدهم لكى يتميزوا من غيرهم فكان هذا ابتداء بغيه ولما عبروا البحر جعلت حبورة القربان وهى رياسة المذبح فى هارون. قال فى كشف الاسرار [در رياست مذبح آن بودكه بنى اسرائيل قربان كه مى كردند بر طريق تعبد بيش هارون مى بردند وهارون بر مذبح مى نهاد تاآتش ازاسمان فرود آمدى وبر كرفتى] فحسده قارون وقال ياموسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست فى شىء وانا اقرأ بنى اسرائيل للتوراة ليس لى على هذا صبر فقال موسى ما انا جعلتها فى هارون بل الله جعلها من فضله قال قارون والله لا اصدقك فى ذلك حتى ترينى آية تدل عليه فامر موسى رؤساء بنى اسرائيل بوضع عصيهم فى القبة التى الله فيها وينزل الوحى عليه ففعلوا وباتوا يحرسونها واصبحوا فاذا بعصا هارون مورقة خضراء اى صارت بحيث لها ورق اخضر وكانت من شجرة اللوز فلما رأها قارون على تلك الحالة العجيبة قال والله ماهذا باعجب مما تصنع من السحر واعتزل موسى وتبعه طائفة من بنى اسرائيل وجعل موسى يداريه لما بينهما من القرابه وهو لايلتفت اليه بل يؤذيه ولا يزيد الا تجبرا وبغيا { وآتيناه } أى قارون { من الكنوز } اى الاموال المدخرة. قال الراغب الكنز جمع المال بعضه فوق بعض وحفظه من كنزت التمر فى الوعاء انتهى. والفرق بين الركاز والمعدن والكنز ان الركاز هو المال المركوز فى الارض مخلوقا كان او موضوعا والمعدن ما كان مخلوقا والكنز ما كان موضوعا { ما } موصولة اى الذى { ان مفاتحه } جمع مفتح بالكسر مايفتح به اى مفاتح صناديقه { لتنوء بالعصبة اولى القوة } خبر ان والجملة صلة ماوهو ثانى مفعولى آتينا. وناء به الحمل اذا اثقله حتى اماله فالباء للتعدية والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة. وفى المفردات جماعة معصبة اى متعاضدة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما العصبة فى هذا الموضع اربعون رجلا وخزائنه كانت اربعمائة الف يحمل كل رجل منهم عشرة آلاف مفتاح. والمعنى لتثقلهم وتميل بهم اذا حملوها لثقلها: وبالفارسية [برداشتن آن مفاتح كران ميكند مردمان بانيروى را يعنى مردمان از كران بارى بجانبى ميل ميكنند] وقال بعضهم وجدت فى الانجيل ان مفاتح خزائن قارون وقرستين بغلا مايزيد منها مفتح على اسبع لكل مفتح كنز ويقال كان قارون اينما ذهب يحمل معه مفاتح كنوزه وكانت من حديد فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الاصابع { اذ قال له قومه } منصوب بتنوء يعنى موسى وبنى اسرائيل وقيل قاله موسى وحده بطريق النصحية { لاتفرح } [شادى مكن بمال دنيا] والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة واكثر مايكون ذلك فى اللذات البدنية الدنيوية والفرح فى الدنيا مذموم مطلقا لانه نتيجة حبها والرضى بها والذهول عن ذهابها فان العلم بان مافيها من اللذة مفارقة لامحالة يوجب الترح حتما ولذا قال تعالى { لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } ولم يرخص فى الفرح الا فى قوله { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } وقوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } وعلل النهى ههنا بكونه مانعا من محبة الله تعالى كما قال { ان الله لايحب الفرحين } اى بزخارف الدنيا فان الدنيا مبغوضة عند الله تعالى

دنياى دنى جيست سراى ستمى افكنده هزار كشته درهر قدمى
كردست دهد كداى شادى نكند ورفوت شود نيز نيرزد بغمى

وانما يحب من يفرح باقامة العبودية وطلب السعادة الاخروية