خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
٤٥
-العنكبوت

روح البيان في تفسير القرآن

{ اتل مااوحى اليك من الكتاب } التلاوة القراءة على سبيل التوالى والاحياء اعلام فى الخفاء ويقال للكلمة الالهية التى تلقى الى الانبياء والاولياء وحى. والمعنى اقرأ يامحمد ماانزل اليك من القرآن تقربا الى الله بقراءته وتحفظا لنظمه وتذكرا لمعانيه وحقائقه فان القارىء المتأمل ينكشف له فى كل مرة مالم ينكشف قبل وتذكيرا للناس وحملالهم على العمل بما فيه من الاحكام ومحاسن الآداب ومكارم الاخلاق كما روى ان عمر رضى الله عنه اتى بسارق فامر بقطع يده فقال لم تقطع يدى وكان جاهلا بالاحكام فقال له عمر بما امر الله فى كتابه فقال اتل علىّ فقال { اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } فقال السارق والله ماسمعتها ولو سمعتها ماسرقت فامر بقطع يده ولم يعذره. فسن التواريح بالجماعة ليسمع الناس القرآن. وعن على رضى الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ وهو جالس فى الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنه ومن قرأ وهو فى غير الصلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات. وعن الحسن البصرىرحمه الله قراءة القرآن فى غير الصلاة افضل من صلاة لايكون فيها كثير القراءة كما قال الفقهاء طول القيام افضل من كثرة السجود لقوله عليه السلام "افضل الصلاة طول القنوت" اى القيام وبكثرة الركوع والسجود يكثر التسبيح والقراءة افضل منه. قالوا افضل التلاوة على الوضوء والجلوس نحو القبلة وان يكون غير مربع ولامتكىء ولاجالس جسلة متكبر ولكن نحو مايجلس بين يدى من يهابه ويحتشم منه وقد سبق فى آخر سورة النمل بعض مايتعلق بالتلاوة من الآداب والاسرار فارجع { واقم الصلاة } اى داوم على اقامتها وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان امره عليه السلام باقامتها متضمنا لامر الامة بها علل بقوله تعالى { ان الصلاة } المعروفة وهى المقرونة بشرائطها الظاهرة والباطنة { تنهى } اى من شأنها وخاصيتها ان تنهاهم وتمنعهم { عن الفحشاء } [ازكارى كه نزد عقل زشت بود] { والمنكر } [واز عملى كه بحكم شرع منهى باشد]. قال فى الوسيط المنكر لايعرف فى شريعة ولاسنة اى سواء كان قولا او فعلا والمعروف ضده: يعنى [نماز سبب باز استادن مى باشد از معاصى جه مداومت بروموجب دوام ذكر ومورث كمال خشيت است وبخاصيت بنده را از كناه باز دارد] ـ كما "روى ـ ان فتى من الانصار كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ثم لايدع شيئا من الفواحش الا ركبه فوصف لرسول الله فقال ان صلاته ستنهاه فلم يلبث ان تاب وحسن حاله" وصار من زهاد الصاحبة رضى الله عنه وعنهم. يقول الفقير لاشك ان لكل عمل خيرا او شرا خاصية فخاصية الصلاة اثارة الخشية من الله والنهى عن المعاصى كما ان خاصية الكفر الذى قوبل به ترك الصلاة فى قوله تعالى عليه السلام "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر" اثارة الخوف من الناس والاقبال على المناهى دل عليه قوله تعالى { سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بمااشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا } وفى الحديث "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله الا بعدا" يعنى تكون صلاته وبالا عليه ويكون سبب القرب فى حقه سبب البعد لعل ذلك لعدم خروجه عن عهدة حقيقة الصلاة كما قال بعضهم حقيقة الصلاة حضور القلب بنعت الذكر والمراقبة بنعت الفكر فالذكر فى الصلاة يطرد الغفلة التى هى الفحشاء والفكر يطرد الخواطر المذمومة التى هى المنكر فهذه الصلاة كما تنهى صاحبها وهو فى الصلاة عما ذكر كذلك تنهاه وهو فى خارجها عن رؤية الاعمال وطلب الاعواض ومثل هذه الصلاة قرة عين العارفين لانها مبنية على المعاينة لا على المغايبة والصلاة فريضة كانت او نافلة افضل الاعمال البدنية لان لها تأثيرا عظيما فى اصلاح النفس التى هى مبدأ جميع الفحشاء والمنكر وفى الخبر "قال عيسى عليه السلام يقول الله بالفرائض نجا منى عبدى وبالنوافل يتقرب الىّ" واعلم ان الصلاة على مراتب فصلاة البدن باقامة الاركان المعلومة. وصلاة النفس بالخشوع والطمأنينة بين الخوف والرجاء. وصلاة القلب بالحضور والمراقبة. وصلاة السر بالمناجات والمكالمة. وصلاة الروح بالمشاهدة والمعاينة. وصلاة الخفى بالمناغاة والملاطفة ولاصلاة فى المقام السابع لانه مقام الفناء والمحبة الصرفة فى عين الوحة. فنهاية الصلاة الصورية بظهور لموت الذى هو صورة اليقين كما قال تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } اى الموت. ونهاية الصلاة الحقيقة بالفناء المطلق الذى هو حق اليقين فكل صلاة تنهى عن الفحشاء فى مرتبتها: يعنى [نماز تن ناهيست ازمعاصى وملاهى. ونماز نفس ماانعست از رذائل وعلائق واخلاق ردية وهيآت مظلمة. ونمازدل بازدارد ازظهور فضول ووفور غفلت را. ونماز سرمنع نمايد از التفات بما سواى حضرت را را. ونماز روح نهى كند ازاستقرار بملاحظه اغيار. ونماز خفى بكذارند سالك را از شهود اثنينيت وظهور انانيت يعنى برو ظاهر كرددكه ازروى حقيقت]

جزيكى نيست نقد اين عالم باز بين وبعالمش مفروش

قال بعض ارباب الحقيقة رعاية الظاهر سبب للصحة مطلقا وأرى ان فوت مافات من ترك الصلوات. يقول الفقير هذا يحتمل معنيين. الاول انه على سبيل الفرض والتقدير يعنى لو فرض للمرء مايكون سببا لبقائه فى الدنيا لكان ذلك اقامة الصلاة فكان وفاته انما جاءت من قبل ترك الصلاة كما ان الصدقة والصلة تزيدان فى الاعمار يعنى لو فرض للمرء مايزيد به العمر لكان ذلك هو الصدقة وصلة الرحم ففيه بيان فضيلة رعاية الاحكام الظاهرة خصوصا من بينها الصلاة والصدقة والصلة. والثانى ان لكل شىء حيا او جمادا اجلا علق ذلك بانقطاعه عن الذكر لانه ما من شىء الا يسبح بحمده فالشجر لايقطع وكذا الحيوان لايقتل ولا يموت الا عند انقطاعه عن الذكر وفى الحديث "ان لكل شىء اجلا فلا تضربوا اماءكم على كسر انائكم" فمعنى ترك الصلاة ترك التوجه الى الله بالذكر والحضور معه لان العمدة فيها هى اليقظة الكاملة فاذا وقعت النفس فى الغفلة انقطع عرق حياتها وفاتت بسببها وهذا بالنسبة الى الغافلين الذاكرين واما الذين هم على صلاتهم دائمون فالموت يطرأ على ظاهرهم لاعلى باطنهم فانهم لايموتون بل ينقلبون من دار الى دار كما ورد فى بعض الآثار هذا هو اللائح والله اعلم { ولذكر الله اكبر } اى والصلاة اكبر من سائر الطاعات وانما عبر عنها بالذكر كما فى قوله تعالى { فاسعوا الى ذكر الله } للايذان بان مافيها من ذكره تعالى هو العمدة فى كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيآت او لذكر الله افضل الطاعات لان ثواب الذكر هو الذكر كما قال تعالى { فاذكرونى اذكركم } وقال عليه السلام "يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بى وانا معه حين يذكرنى فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وان ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ اكثر من الملأ الذى ذكرنى فيهم" فالمراد بهذا الذكر هو الذكر الخالص وهو اصفى واجلى من الذكر المشوب بالاعمال الظاهرة وهو خير من ضرب الاعناق وعتق الرقاب واعطاء لمال للاحباب واول الذكر توحيد ثم تجريد ثم تفريد كما قال عليه السلام "سبق المفردون قالوا يارسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" : قال الشيخ العطار

اصل تجريدات وداع شهوتست بلكه كلى انقطاع لذتست
كرتوببريدى زموجودات اميد آنكه ازتفريد كردى مستفيد

والذكر طرد الغفلة ولذا قالوا ليس فى الجنة ذكر اى لانه لاغفلة فيها بل حال اهل الجنة الحضور الدائم.
وفى التأويلات النجمية ماحاصله ان الفحشاء والمنكر من امارات مرض القلب ومرضه نسيان الله وذكر الله اكبر فى ازالة هذا المرض من تلاوة القرآن واقامة الصلاة لان العلاج انما هو بالضد. فان قلت اذا كانت تلاوة القرآن واقامة الصلاة والذكر صادر من قلب مريض معلول بالنيسان الطبيعى للانسان لايكون كل منها سببا لازالة المرض المذكور. قلت الذكر مختص بطرح اكسير ذكر الله للعبد كما قال
{ فاذكرونى اذكركم } فابطل خاصية المعلولية وجعله ابريزا خاصا بخاصيته المذكورة فذكر العبد فنى فى ذكر الله فلذا كان اكبر. وقال بعض الكبار ذكر اللذات فى مقام الفناء المحض وصلاة الحق عند التمكين فى مقام البقاء اكبر من جميع الاذكار واعظم من جميع الصلوات. قال ابن عطاءرحمه الله ذكر الله اكبر من ذكركم لان ذكره للفضل والكرم بلا علة وذكركم مشوب بالعلل الامانى والسؤال. وقال بعضهم اذا قلت ذكر الله اكبر من ذكر العبد قابلت الحادث بالقديم وكيف يقال الله احسن من الخلق ولا يوازى قدمه الا قدمه ولا ذكره الا ذكره ولايبقى الكون فى سطوات المكون. وقال بعضهم [ذكر خداى بزركتراست ازهمه جيزيراكه ذكر او طاعتست وذكر غير او طاعت نيست] فويل لمن مروقته بذكر الاغيار: قال الحافظ

اوقات خوش آن بودكه بادوست بسررفت باقى همه بيحاصل وبيخبرى بود

{ والله يعلم ماتصنعون } من الذكر وسائط الطاعات لايخفى عليه شىء فيجازيكم بها احسن المجازاة. وقال بعض الكبار والله يعلم ماتصنعون فى جميع المقامات والاحوال فمن تيقن ان الله يعلم مايصنعه تجنب عن المعاصى والسيآت وتوجه الى عالم السر والخفيات بالطاعات والعبادات خصوصا الصلوات ولابد من تفريغ القلب عن الشواغل فصلاة بالحضور افضل من الف صلاة بدونه ـ حكى ـ ان واحدا كان يتضرع الى الله ان يوفقه لصلاة مقبولة فصلى مع حبيب العجمى فلم يعجبه ظاهرها من امر القراءة فاستأنف الصلاة فقيل له فى الرؤيا قد وفقك ا لله لصلاة مقبولة فلم تعرف قدرها فاصلاح الباطن اهم فان به يتفاضل الناس وتتفاوت الحسنات ويحصل الفلاح الحقيقى هو الخلاص من حبس الوجود بجود واجب الوجود ونظر العبد لايدرك كمالية الجزاء المعدّ له بمباشرة اركان الشريعة وملازمة آداب الطريقة للوصول الى العالم الحقيقى ولكن الله يعلم ماتصنعون باستعمال مفتاح الشريعة وصناعة الطريقة بفتح ابواب طلسم الوجود المجازى والوصول الى الكنز المخفى من الوجود الحقيقى نسأل الله سبحانه ان يوفقنا للفعل الحسن والصنع الجميل ويسعدنا بالمقام الا رفع والاجر الجزيل