خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم فى الصالحين } اى فى زمرة الراسخين فى الصلاح ولنحشرتهم معهم وهم الانبياء والاولياء وكل من صلحت سريرته مع الله والكمال فى الصلاح منتهى درجات المؤمنين وغاية مأمول الانبياء والمرسلين ـ روى ـ ان سعد بن مالك وهو سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه من السابقين الاولين لما اسلم او حين هاجر كما فى التكملة قالت له امه حمنة بنت ابى سفيان بن امية ياسعد ماهذا الذى قد احدثت لتدعن دينك اولا انتقل من الضح الى الظل ولا آكل ولا اشرب حتى اموت فتعير بى فيقال ياقاتل امه فلبثت ثلاثة ايام كذلك حتى جهدت اى وقعت فى الجهد والمشقة بسبب الجوع فقال سعد والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت فكلى وان شئت فلا تأكلى فلما رأت ذلك اكلت فامره الله تعالى ان يحسن اليها ويقوم بامرها ويسترضيها فيما ليس بشرك ومعصية ويعرض عنها ويخالف قولها فيما انكره الشارع: قال الشيخ سعدى قدس سره

جون نبود خويش را ديانت وتقوى قطع رحم بهتر از مودت قربى

وفى هدية المهديين يجب على المرء نفقة الابوين الكافرين وخدمتهما وزيارتهما وان خاف من ان يجلباه الى الكفر ترك زيارتهما ويقود بهما زوجته لو كان كل منهما فاقد البصر من البيعة الى البيت لا العكس لان الذهاب اليها معصية والى البيت لا ومنه يعلم ان الذمى اذا سأل مسلما عن طريق البيعة لايدله عليه. سئل ابراهيم بن ادهمرحمه الله عن طريق بيت السلطان فارشده الى المقابر فضربه الجندى وشجه ثم عرفه واستعفاه فقال كنت عفوت عنك فى اول ضربة وقلت اضرب رأسا ظالما عصى الله كذا فى البزازية. قال الامام الغزالىرحمه الله اكثر العلماء على ان طاعة الوالدين واجبة فى الشبهات ولم تجب فى الحرام المحض لان ترك الشبهة ورع ورضى الوالدين حتم اى اجب. ويجيب اذا كان فى صلاة النافلة دعاء امه دون دعوة ابيه اى يقطع صلاته ويقول لبيك مثلا. وقال الطحاوى مصلى النافلة اذا ناداه احد ابويه ان علم انه فى الصلاة وناداه لابأس بان لايجيبه وان لم يعلم يجيبه واما مصلى الفريضة اذا دعاه احد ابويه لايجيبه مالم يفرغ من صلاته الا ان يستغيثه لشىء لان قطع الصلاة لايجوز الا لضرورة وكذلك الاجنبى اذا خاف ان يسقط من سطح او تحرقه النار او يغرق فى الماء وجب عليه ان يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة وكذا لو قال له كافر اعرض علىّ الاسلام او سرق منه الدراهم او فارت قدرها او خافت على ولدها الفرض والنفل فيه سواء كما فى البزازية. قال فى شرح التحفة لايفطر فى النافلة بعد الزوال الا اذا كان فى ترك الافطار عقوق الوالدين ولا يتركهما لغزو او حج او طلب علم نفل فان خدمتهما افضل من ذلك وفى الخبر "يسأل الولد عن الصلاة ثم عن حق الوالدين وتسأل المرأة عن الصلاة ثم عن حق الزوج ويسأل العبد عن الصلاة ثم عن حق المولى فان اجاب تجاوز عن موقفه الى موقف آخر من المواقف الخمسين والاعذب فى كل موقف الف سنة ودعاء الوالدين على الولد لايردّ" وقوله عليه السلام "دعاء المرء على محبوبه خير بالنسبة الى غيرهما" كما فى المقاصد الحسنة. سأل الزمخشرى بعض العلماء عن سبب قطع رجله قال امسكت عصفورا فى صباى وربطته بخيط فى رجله وافلت من يدى ودخل فى خرق فجذبته فانقطت رجله فتألمت والدتى وقالت قطع الله رجل الا بعد كما قطعت رجله فلما رحلت الى بخارى لطلب العلم سقطت من الدابة فانكسرت رجلى وقيل اصابه البرد فى الطريق فسقطت رجله وكان يمشى بخشب كذا فى روضة الاخبار. ويجب على الابوين ان لايحملا الولد على العقوق بسبب الجفاء وسوء المعاملة ويعيناه على البر. فمن البر وهما حيان ان ينفق عليهما ويمتثل امرهما فى الامور المشروعة ويجامل فى معاملتهما. ومن البر بعد موتهما التصدق لهما وزيارة قبرهما فى كل جمعة والدعاء لهما فى ادبار الصلاة وتنفيذ عهودهما ووصاياهما ونحو ذلك
وفى التأويلات { ووصينا الانسان بوالديه حسنا } يشر الى تعظيم الحق تعالى وعظم شأنه وعزة الانبياء واعزازهم وعرفان قدر المشايخ واكرامهم لان الامر برعاية حق الوالدين لمعنيين احدهما انهما كانا سبب وجود الولد والثانى ان لهما حق التربية فكلا المعنيين فى انعام الحق تعالى على العباد حاصل باعظم وجه واجل حق منهما لان حقهما كان مشوبا بحظ نفسهما وحق الحق تعالى منزه عن الشوب انهما وان كانا سبب وجود الولد لم يكونا مستقلين بالسببية بغير الحق تعالى وارادته لانهما كانا فى السببية محتاجين الى مشيئته وارادته بان يجعلهما سببا لوجود الولد فان الولد لايحصل بمجرد تسببهما بالنكاح بل يحصل بموهبة الله تعالى كما فى تعالى
{ يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور } الآية فالسبب الحقيقى فى ايجاد الولد هو الله تعالى فان شاء يوجده بواسطة تسبب الوالدين وان شاء بغير تسببهما كايجاد آدم عليه السلام واما التربية فنسبتها الى الله تعالى حقيقة فانه رب كل شىء ومربيه والى الوالدين مجازية لان صورة التربية اليهما وحقيقة التربية الى الله تعالى كما ربى نطف الولد فى الرحم حتى جعله علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كساه اللحم ثم انشأه خلقا آخر فاالله تبارك وتعالى اعظم قدرا فى رعاية حقوقه بالعبودية من رعاية حق الوالدين لاحسان وان الواجب على العبد ان يخرج من عهدة حق العبودية بالاخلاص اولا ثم يحسن بالوالدين كما قال تعالى { وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا } واما النبى والشيخ فكانا سبب الولادة الثانية بالقاء نطفة النبوة والولاية فى رحم قلب الامة والمريد وتربيتها الى ان يولد الولد عن رحم القلب فى عالم الملكوت كما اخبر النبى عليه السلام رواية عن عيسى عليه السلام انه قال "لن يلج ملكوت السموات والارض الا من يولد مرتين" وكان سبب ولادته فى عالم الارواح واعلى عليين القرب والولدان كانا سبب ولادته فى عالم الاشباح واسفل سافلين البعد ولهذا السر كان يقول النبى صلى الله عليه وسلم "انما انا لكم كالوالد لولده" وقد كانت ازواجه امهات للامة وقد قال عليه السلام "الشيخ فى قومه كالنبى فى امته" ولما كان الله تعالى فى الاحسان العميم بالعبد والامتنان القديم الذى خصه به قبل وبعد احق واولى برعاية حقوقه عن والديه قال تعالى { وان جاهداك لتشرك بى ماليس لك به علم فلا تطعهما } وفيه اشارة الى ان المريد الصادق والطالب العاشق اذا تمسك بذيل ارادة شيخ كامل ودليل واصل بصدق الارادة وعشق الطلب بعد خروجه عن الدنيا بتركها بالكلية عن جاهها ومالها وقد سعى بقدر الوسع فى قطع تعلقات تمنعه عن السير الى الله متوجها الى الحضرة بعزيمة كعزيمة الرجال فان كان له الولدان هما بمعزل عما يهيجه من الصدق المحبة فهما بجهلهما عن حال الولد يمنعان عن صحبة الشيخ وطلب الحق بالاعراض ويقبلان به الى الدنيا ويرغبانه فى طلب جاهها ومالها ويحثان على التزويج فى غير اوانه فالواجب على المريد ان الا يطيعهما فى شىء من ذلك فان ذلك بالكلية طاغوت وقته وعليه ان يشرك بالله لجهلهما بحاله وحال انفسهما وانه يريد ان يخرج عن عهدة العبودية الخالصة لربه كما قضى ربه ان لايعبد لا اياه ولايعبد مادونه من الدنيا والآخرة ومافيهما وما يعلمان انهما من عبدة الهوى وانهما يدعوانه الى عبادة غير الله فالواجب عليه ان لايطعيهما فى ذلك ولكن عليه ان يردهما باللطف ولايزجرهما بالعنف الى ان يخرج عن عهدة ماقضى ربه من العبودية بالاخلاص ثم الواجب عليه ان يحسن اليهما ويسمع كلامهما ويطيعهما فيما لايقطعه عن الله على وفق امره ثم اوعد الجميع بالمرجع اليه فقال { الىّ مرجعكم فانبئكم } ايها الولد والولدان { بما كنتم تعملون } من العبادة الخالصة لله ومن عبادة الهوى على لسان جزائكم ليقول لكم ان مرجع عبدة الهوى الهاوية { والذين آمنوا } بمحبة الحق { و } طلبوه بان { عملوا الصالحات } اى اعمالا تصلح للسير الى الله والوصول الى حضرة جلاله { لندخلنهم فى الصالحين } اى نجعل مدخلهم مقام الانبياء والاولياء بجذبات العناية تفهم ان شاء الله تعالى وتؤمن به