خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
١١٢
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا } اى فى أى مكان وأى زمان وجدوا فى دار الاسلام الزموا الذل اى هدر النفس والمال والاهل بحيث صار كشىء يضرب على الشىء فيحيط به { الا بحبل من الله وحبل من الناس } استثناء من اعم الاحوال اى ضربت عليهم الذلة ضرب القبة على من هى عليه فى جميع الاحوال الا حال كونهم معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين واستعير الحبل للعهد لانه سبب للنجاة والفوز بالمراد. وعطف قوله { وحبل من الناس } على قوله { بحبل من الله } يقتضى المغايرة.
قال الامام فى وجهه الامان الحاصل للذمى قسمان. احدهما الذى نص الله عليه وهو الامان الحاصل له باعطاء الجزية عن يد وقبوله اياها. والثانى الامان الذى فوض الى رأى الامام واجتهاده فيعطيهم الامان مجانا تارة وببدل زائد او ناقص اخرى على حسب اجتهاده فالاول هو المسمى بحبل الله والثانى هو المسمى بحبل المؤمنين فالامانان واقعان بمباشرة المسلمين الا انهما متغايران بالاعتبار { وباؤا بغضب من الله } اى رجعوا بغضب كائن منه تعالى مستوجبين له { وضربت عليهم المسكنة } اى زى الافتقار فهى محيطة بهم من جميع جوانبهم واليهود فى غالب الامر فقراء اما فى نفس الامر واما انهم يظهرون من انفسهم الفقر وان كانوا اغنياء موسرين فى الواقع { ذلك } اشارة الى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم والبوء بالغضب العظيم { بانهم كانوا يكفرون بآيات الله } اى ذلك الذى ذكر كائن بسبب كفرهم المستمر بآيات الله الناطقة بنبوة محمد عليه السلام وتحريفهم لها ولسائر الآيات القرآنية { ويقتلون الانبياء بغير حق } اى فى اعتقادهم ايضا وهؤلاء المتأخرون وان لم يصدر عنهم قتل الانبياء لكنهم كانوا راضين بفعل اسلافهم مصوبين لهم فى تلك الافعال القبيحة وطالبين للقتل لو ظفروا به فكانوا بذلك كأنهم فعلوه بانفسهم فلذا اسند القتل اليهم { ذلك } اشارة الى ما ذكر من الكفر والقتل { بما عصوا وكانوا يعتدون } اى كان بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار فان الاصرار على الصغائر يفضى الى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدى الى الكفر فان من توغل فى المعاصى والذنوب واستمر عليها لا جرم تتزايد ظلمات المعاصى على قلبه حالا فحالا ويضعف نور الايمان فى قلبه حالا فحالا ولم يزل الامر كذلك الى ان يبطل نور الايمان وتحصل ظلمة الكفر نعوذ بالله من ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى
{ { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [المطففين: 14].
فقوله تعالى { ذلك بما عصوا } اشارة الى علة العلة ولهذا المعنى قال ارباب المعاملات من ابتلى بترك الادب وقع فى ترك السنن ومن ابتلى بترك السنن وقع فى ترك الفريضة ومن ابتلى بترك الفريضة وقع فى استحقار الشريعة ومن ابتلى بذلك وقع فى الكفر.
فعلى المؤمن ان لا يفتح باب المعصية على نفسه خوفا مما يؤدى اليه بل ويترك ايضا بعض ما ابيح له فى الشرع وذلك هو كمال التقوى قال عليه السلام
"لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا مما به البأس"
. وقال صلى الله عليه وسلم "الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه" الحديث فمنع من الاقدام على الشبهات مخافة الوقوع فى المحرمات وذلك سد للذريعة والعارف متى قصد مخالفة امره تعالى يجد من قلبه استحياء منه تعالى فينتهى عما نوى وعزم ويجتهد فى عبادة ربه.
قال الجنيدرحمه الله العبادة على رؤوس العارفين كالتيجان على رؤوس الملوك ورؤى فى يده سبحة فقيل له انت مع شرفك تأخذ فى يدك سبحه فقال طريق وصلنا به الى ما وصلنا لا نتركه ابدا.
قال الشيخ ابو طالبرحمه الله مداومة الاوراد من اخلاق المؤمنين وطريق العابدين وهى مزيد الايمان وعلامة الايقان.
قال الشيخ ابو الحسنرحمه الله سألت استاذى عن ورد المحققين فقال اسقاط الهوى ومحبة المولى ابت المحبة ان تستعمل محبا لغير محبوبه وقال الورد ردّ النفس بالحق عن الباطل فى عموم الاوقات فليواظب العبد على الاوراد والطاعات وليجانب المعاصى والسيآت
"قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات يوم لاصحابه استحيوا من الله حق الحياء قالوا انا نستحيى يا رسول الله والحمد لله قال ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن اراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء" .

مبر طاعت نفس شهوت برست كه هر ساعتى قبله ديكر ست

قال بعض المشايخ لو ان رجلا عاش مائتى سنة ولا يعرف هذه الاربعة فليس شىء احق به من النار احدها معرفة الله تعالى فى السر والعلانية وان لا معطى ولا مانع غيره. والثانى معرفة عمل الله بان يعرف ان الله تعالى لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لرضى الله تعالى. والثالث معرفة نفسه بان يعرف ضعفه انه لا يستطيع ان يرد شيأ مما قضى الله عليه. والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه فيحاربه بالمعرفة حتى يكسره فان المعرفة سلاح العارف فمن كان عنده المعرفة الحقيقية كان غالبا على اعدائه الظاهرة والباطنة ووصل الى مراده والنفس عين العدو فعليك بالاحتراز من شره ومحاربته كل آن بالذكر والفكر والعمل الصالح عصمنا الله واياكم من الشرور.