خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٦٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ودت طائفة من اهل الكتاب } اى احبت { لو } اى ان { يضلونكم } يصرفونكم عن دين الاسلام الى دين الكفر وانما قال طائفة لان من اهل الكتاب امة قائمة يتولن آيات الله { وما يضلون الا انفسهم } جملة حالية جيىء بها للدلالة على كمال رسوخ المخاطبين وثباتهم على ما هم عليه من الدين القويم اى وما يتخطاهم الاضلال ولا يعود وباله الا اليهم لما انه يضاعف به عذابهم { وما يشعرون } اى باختصاص وباله وضرره بهم.
اعلم انه تعالى لما بين ان من طريقة اهل الكتاب العدول عن الحق والاعراض عن قبول الحجة بين انهم لا يقتصرون على هذا القدر بل يجتهدون فى اضلال من آمن بالرسول عليه السلام بالقاء الشبهات. فعلى العاقل ان لا يضل عن الطريق القويم بالقاآت كل شيطان رجيم من ضلال الانس والجان اصلحهم الله الملك المنان وماذا بعد الحق الا الضلال. قال ابن مسعود رضى الله عنه
"لما دنا فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعنا فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر الينا فدمعت عيناه وقال مرحبا بكم حياكم الله رحمكم الله اوصيكم بتقوى الله وطاعته قد دنا الفراق وحان المنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغسلنى رجال اهل بيتى ويكفوننى فى ثيابى هذه ان شاؤا او فى حلة يمانية فاذا غسلتمونى وكفنتمونى ضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير لحدى ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على حبييى جبريل عليه السلام ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم ثم ادخلوا على فوجا فوجا صلوا على فلما سمعوا فراقة صاحوا وبكوا وقالوا يا رسول الله انت رسول ربنا وشمع جمعنا وسلطان امرنا اذا ذهبت عنا فالى من تراجع فى امورنا قال تركتكم على المحجة البيضاء" اى على طريق الواسع الواضح ليلها كنهارها فى الوضوح ولا يزيغ بعدها الى غيرها الا هالك "وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا فالناطق القرآن والصامت الموت فاذا اشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة واذا قسا قلبكم فلينوه بالاعتبار فى احوال الاموات"

جهان اى بسر جاويد نيست زدنيا وفادارى اميد نسيت

والناس فى الاعتقاد والعمل متفاوتون. فمنهم من هو متين كالحصن الحصين لا يزول عما هو عليه وان اتفق الناس فى اضلاله وهو المرتبة القصوى فى باب الدين التى نالها الانبياء والاولياء والافراد من المؤمنين قال على كرم الله وجهه [لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا] ولا يطرأ الشك فى المحسوس فكذا ما هو فى الحكمة. ومنهم من هو ضعيف لامتانة فيه تذروه رياح الهوى حيث شاءت بعد ان لم تساعد له العناية الازلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس كمعادن الذهب والفضة" .
يعنى ان الناس معادن الاعمال والاخلاق والاقوال ولكن يتفاوتون فيها كما تتفاوت معادن الذهب والفضة الى ان تنتهى الى الادنى فالادنى.
قال فى شرح المصباح وفيه اشارة الى ان ما فى معادن الطباع من جواهر مكارم الاخلاق ينبغى ان تستخرج برياضة النفوس كما يستخرج الجواهر من المعادن بالمقاساة والتعب ولقد اجاد من قال

بقدر الكد تكتسب المعالى ومن طلب العلى سهر الليالى
تروم العز ثم تنام ليلا يغوص البحر من طلب اللآلى

فلا بد من الاجتهاد والاستمداد من الابدال والاوتاد لعل الله يسهل سلوك هذا الطريق ويخلص من خطر هذا البحر العميق

بارى كه آسمان وزمين سر كشيد ازان مشكل بود بياورىء جسم وجان كشيد
همت قوى كن ازمدد رهروان عشق كان باررا بقوت همت توان كشيد