خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ
٢٢
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن آياته } الدالة على ما ذكر { خلق السموات والارض } على عظمتها وكثافتها وكثرة اجزائها بلا مادة فهو اظهر قدرة على اعادة ما كان حيا قبل ذلك فهذه من الآيات الآفاقية ثم اشار الى شئ من الآيات الانفسية فقال { واختلاف ألسنتكم } اى لغاتكم من العربية والفارسية والهندية والتركية وغيرها بان جعل لكل صنف لغة.
قال الراغب اختلاف الالسنة اشارة الى اختلاف اللغات واختلاف النغمات فان لكل لسان نغمة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها البصر انتهى فلا تكاد تسمع منطقين متساويين فى الكيفية من كل وجه: يعني [دربست وبلند وفصاحت ولكنت وغير آن].
قال وهب جميع الالسنة اثنان وسبعون لسانا منها فى ولد سام تسعة عشر لسانا وفى ولد حام سبعة عشر لسانا وفى ولد يافث ستة وثلاثون لسانا
{ { والوانكم } بالبياض والسواد والادمة والحمرة وغيرها.
قال الراغب فى الآية اشارة الى ان انواع الالوان من اختلاف الصور التى يختص كل انسان بهيئة غير هيءة صاحبه مع كثرة عددهم وذلك تنبيه على سعة قدرته يعنى ان اختلاف الالوان اشارة الى تخطيطات الاعضاء وهيآتها وحلاها ألا ترى ان التوأمين مع توافق موادهما واسبابهما والامور الملاقية لهما فى التخليق يختلفان فى شئ من ذلك لا محالة وان كانا فى غاية التشابه [اكر برين وجه نبودى امتياز بين الاشخاص مشكل بودى وبسيار از مهات معطل ماندى].
قال ابن عباس رضى الله عنهما كان آدم مؤلفا من انواع تراب الارض ولذلك كان بنوه مختلفين منهم الاحمر والاسود والابيض كل ظهر على لون ترابه وقابليته وتصور صورة كل رجل على صورة من اجداده الى آدم يحضر اشكالهم عند تصوير صورته فى الرحم كما اشار اليه بعض المفسرين فى قوله تعالى
{ { فى اى صورة ما شاء ركبك } { ان فى ذلك } اى فيما ذكر من خلق السموات والارض واختلاف الالسنة والالوان { لآيات } عظيمة فى نفسها كثيرة فى عددها { للعالمين } بكسر اللام اى المتصفين بالعلم كما فى قوله { { وما يعقلها العالمون } وخص العلماء لانهم اهل النظر والاستدلال دون الجهال المشغولين بحطام الدنيا وزخارفها فلما كان الوصول الى معرفة ما سبق ذكره انما يمكن بالعلم ختم الآية بالعالمين. وقرئ بفتح اللام ففيه اشارة الى كمال وضوح الآيات وعدم خفائها على احد من الخلق من ملك وانس وجن وغيرهم.
وفى الاية اشارة الى اختلاف ألسنة القلوب وألسنة النفوس فان لسان القلوب يتحرك بالميل الى العلويات وفى طلبها يتكلم ولسان النفوس يتحرك بالميل الى السفليات وفى طلبها يتكلم كما يشاهد فى مجالس اهل الدنيا ومحافل اهل الآخرة: ومن كلمات مولانا قدس سره.

ما راجه ازين قصه كه كاو آمد وخر رفت اين وقت عزيز ست ازين عربده بازآى

وايضا اشارة الى اختلاف الالوان اى الطبائع منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ومنكم من يريد الله ان فى ذلك لآيات للعارفين الذين عرفوا حقيقة انفسهم وكماليتها فعرفوا الله ورأوا آياته باراءته اياهم لقوله تعالى { { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم
} ثم ان الله تعالى خلق الآيات واشار اليها مع وضوحها تنبيها للناظرين وتعليما للجاهلين وتكميلا للعالمين فمن له بصر رآها ومن له بصيره عرفها.
يقال الامم على اختلاف الازمان والاديان متفقة على مدح اخلاق اربعة العلم والزهد والاحسان والامانة والمتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة.
ثم ان المعتبر هو العلم بالله الناظر على عالم الملكوت وهذا العلم من الآيات الكبرى وصاحبه يشاهد الشواهد العظمى بالبصيرة الاجلى بل يعلم الكائنات قبل وجودها ويخبر بها قبل حصول اعيانها وفى زماننا قوم لا يحصى عددهم غلب عليهم الجهل بمقام العلم ولعبت بهم الاهواء حتى قالوا ان العلم حجاب ولقد صدقوا فى ذلك لو اعتقدوا اى والله حجاب عظيم يحجب القلب عن الغفلة والجهل.
قال سهل بن عبد الله التسترى قدس سره السماء رحمة للارض وبطن الارض رحمة لظهرها والآخرة رحمة للدنيا والعلماء رحمة للجهال والكبار رحمة للصغار والنبي عليه السلام رحمة للخلق والله تعالى رحيم بخلقه.
واجناس العلوم كثيرة منها علم النظر وعلم الخبر وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الرصد الى غير ذلك من العلوم ولكل جنس من هذه العلوم وامثالها فصول تقومها وفصول تقسمها فلننظر ما نحتاج اليه فى انفسنا مما تقترن به سعادتنا فنأخذه ونشتغل به ونترك ما لا نحتاج اليه احتياجا ضروريا مخافة فوت الوقت حتى تكون الاوقات لنا ان شاء الله تعالى. والذي يحتاج من فصول هذه الاجناس فصلان فصل يدخل تحت جنس النظر وهو علم الكلام ونوع آخر يدخل تحت جنس الخبر وهو الشرع والعلوم الداخلة تحت هذين النوعين التى يحتاج اليها فى تحصيل السعادة ثمانية وهى الواجب والجائز والمستحيل والذات والصفات والافعال وعلم السعادة وعلم الشقاوة فهذه الثمانية واجب طلبها على كل طالب نجاة نفسه وعلم السعادة والشقاوة موقوف على معرفة الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح. واصول هذه الاحكام الخمسة ثلاثة الكتاب والسنة المتواترة والاجماع كذا فى مواقع النجوم للشيخ الاكبر قدس سره الاطهر وفتكم الله وايانا لهذه العلوم النافعة وشرح صدورنا بالفيوض والاسرار وجعلنا مستضيئين بين شمس وقمر الى نهاية الاعمار وفناء الدار.