خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ
٣٤
-لقمان

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان الله عنده علم الساعة } الساعة جزء من اجزاء الجديدين سميت بها القيامة لانها تقوم فى آخره ساعة من ساعات الدنيا اى عنده علم وقت قيام القيامة وما يتبعه من الاحوال والاهوال وهو متفرد بعلمه فلا يدرى احد من الناس فى أى سنة وفى اى شهر وفى أى ساعة من ساعات الليل والنهار تقوم القيامة ـ روى ـ ان الحارث بن عمرو من اهل البادية اتى النبى عليه السلام فسأله عن الساعة ووقتها وقال ان ارضنا اجدبت وانى القيت حباتى فى الارض فمتى ينزل المطر وتركت امرأتى حبلى فحملها ذكر ام انثى وانى اعلم ما عملت امس فما اعمل غدا وقد علمت اين ولدت فبأى ارض اموت فنزلت: يعنى [اين بنج علم درخزانه مشيت حضرت آفريدكاراست وكليد اطلاع بدان بدست اجتهاد هيج آدمى نداده اند] وانما اخفى الله وقت الساعة ليكون الناس على حذر واهبة كما "روى ان اعرابيا قال للنبى عليه السلام متى الساعة فقال عليه السلام وما اعددت لها قال لا شئ الا انى احب الله ورسوله فقال انت مع من احببت"

لى حبيب عربى مدنى قرشى كه بود دردو غمش مايه سودا وخوشى
ذره وارم بهوا درئ او رقص كنان تاشد او شهره آفاق بخورشيد وشى

{ وينزل الغيث } عطف على ما يقتضى الظرف من الفعل تقديره ان الله يثبت عنده علم الساعة وينزل الغيث كما فى المدارك. وسمى المطر غيثا لانه غياث الخلق به رزقهم وعليه بقاؤهم فالغيث مخصوص بالمطر النافع اى وينزله فى زمانه الذى قدره من غير تقديم وتأخير الى محله الذى عينه فى علمه من غير خطأ وتبديل فهو متفرد بعلم زمانه ومكانه وعدد قطراته ـ روى ـ مرفوعا (ما من ساعة من ليل ولا نهار الا السماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء) وفى الحديث "ما سنة بامطر من اخرى ولكن اذا عمل قوم بالمعاصى حول الله ذلك الى غيرهم فاذا عصوا جميعا صرف الله ذلك الى الفيافى والبحار" فمن اراد استجلاب الرحمة فعليه بالتوبة والندامة والتضرع الى قاضى الحاجات باخلص المناجاة

تو ازفشاندن تخم اميد دست مدار كه در كرم نكند ابر نوبهار امساك

{ ويعلم ما فى الارحام } الرحم بيت منبت الولد ووعاؤه اى يعلم ذاته أذكر ام أنثى حى ام ميت وصفاته اتام أم ناقص حسن ام قبيح سعيد ام شقى

براحوال نابوده علمش بصير براسرار ناكفته لطفش خبير
قديمى نكو كار نيكو بسند بكلك قضا در رحم نقش بند
زبر افكند قطره سوى يم زصلب آورد نطفه درشكم
ازان قطره لؤلؤى لالا كند وزين صورتى سرو بالاكند

{ وما تدرى نفس } من النفوس. والدراية المعرفة المدركة بضرب من الحيل ولذا لا يوصف الله بها ولا يقال الدارى واما قول الشاعر

لا هم لا ادرى وانت تدرى

فمن تصرف اجلاف العرب او بطريق المشاكلة كما فى قوله تعالى { { تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك } اى ذاتك { ماذا } اى أى شئ { تكسب غدا } الكسب ما يتحراه الانسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ مثل كسب المال وقد يستعمل فيما يظن الانسان ان يجلب به منفعة به مضرة والغد اليوم الذى يلى يومك الذى انت فيه كما ان امس اليوم الذى قبل يومك بليلة اى يفعل ويحصل من خير وشر ووفاق وشقاق وربما تعزم على خير فتفعل الشر وبالعكس واذا لم يكن للانسان طريق الى معرفة ما هو اخص به من كسبه وان اعمل حيله وانفذ فيها وسعه كان من معرفة ما عداه مما لم ينصب له دليل عليه ابعد وكذا اذا لم يعلم ما فى الغد مع قربه فما يكون بعده لا يعلمه بطريق الاولى

نداند كسى جون شود امر او جه حاصل كند دربس عمر او
بجز حق كه علمش محيط كلست برابر باو ماضى مستقبلست

{ وما تدرى نفس } وان اعملت حيلها { بأى ارض } مكان { تموت } من بر وبحر وسهل وجبل كما لا تدرى فى أى وقت تموت وان كان يدرى انه يموت فى الارض فى وقت من الاوقات ـ روى ـ ان ملك الموت مر على سليمان عليه السلام فجعل ينظر الى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كأنه يريدنى فمر الريح ان تحملنى وتلقينى فى بلاد الهند ففعل فقال الملك كان دوام نظرى اليه تعجبا منه اذ امرت ان اقبض روحه بالهند وهو عندك.
قال فى المقاصد الحسنة كان رجل يقول اللهم صلى على ملك الشمس فيكثر ذلك فاستأذن ملك الشمس ربه ان ينزل الى الارض فيزوره فنزل ثم اتى الرجل فقال انى سألت الله النزول من اجلك فما حاجتك فقال بلغنى ان ملك الموت صديقك فاسأله ان ينسئ فى اجلى ويخفف عنى الموت فحمله معه واقعده مقعده من الشمس واتى ملك الموت فاخبره فقال من هو فقال فلان ابن فلان فنظر ملك الموت فى اللوح معه فقال ان هذا لا يموت حتى يقعد مقعدك من الشمس قال فقد قعد مقعدى من الشمس فقال فقد توفته رسلنا وهم لا يفرّطون فرجع ملك الشمس الى الشمس فوجده قدمات.
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ببعض نواحى المدينة فاذا بقبر يحفر فاقبل حتى وقف عليه فقال لمن هذا قيل لرجل من الحبشة فقال (لا اله الا الله سيق من ارضه وسمائه حتى دفن فى الارض التى خلق منها تقول الارض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتنى) وانشدوا

اذا ما حمام المرء كان ببلدة دعته اليها حاجة فيطير

وفائدة هذا تنبيه العبد على التيقظ للموت والاستعداد له بحسن الطاعة والخروج عن المظلمة وقضاء الدين واثبات الوصية بماله وعليه فى الحضر فضلا عن اوان الخروج عن وطنه الى سفر فانه لا يدرى اين كتبت منيته من بقاع الارض وانشد بعضهم

مشينا فى خطى كتبت علنيا ومن كتبت عليه خطى مشاها
وارزاق لنا متفرقات فمن لم تأته منا اتاها
ومن كتبت منيته بارض فليس يموت فى ارض سواها

كما فى عقد الدرر { ان الله عليم } يعلم الاشياء كلها { خبير } يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها وعنه عليه السلام "مفاتيح الغيب خمس وتلا هذه الآية فمن ادعى علم شئ من هذه المغيبات الخمس فهو كافر بالله تعالى" وانما عد هذه الخمس وكل المغيبات لا يعلمها الا الله لما ان السؤال ورد عنها كما سبق فى سبب النزول. وكان اهل الجاهلية يسألون المنجمين عنها زاعمين انهم يعلمونها وتصديق الكاهن بما يخبره عن الغيب كفر لقوله عليه السلام "من اتى كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما انزل الله على محمد" والكاهن هو الذى يخبر عن الكوائن فى مستقبل الزمان ويدّعى معرفة الاسرار وكان فى العرب كهنة يدعون معرفة الامور فمنهم من يزعم انه له رئيا من الجن يلقى اليه الاخبار.
قال ابو الحسن الآمدى فى مناقب الشافعى التى الفها سمعت الشافعى يقول من زعم من اهل العدالة انه يرى الجن ابطلنا شهادته لقوله تعالى
{ { انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الا ان يكون الزاعم نبيا كذا فى حياة الحيوان. والمنجم اذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن وفى الحديث "من سأل عرّافا لم تقبل له صلاة اربعين ليلة" والعرّاف من يخبر عن المسروق ومكان الضالة والمراد من سأله على وجه التصديق لخبره وتعظيم المسئول يعنى اذا اعتقد انه ملهم من الله او ان الجن يلقون اليه مما يسمعون من الملائكة فصدقه فهو حرام واذا اعتقد انه عالم بالغيب فهو كفر كما فى حديث الكاهن. واما اذا سأل ليمتحن حاله ويخبر باطن امره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهو جائز فعلم ان الغيب مختص بالله تعالى.
وما روى عن الانبياء والاولياء من الاخبار عن الغيوب فبتعليم الله تعالى اما بطريق الوحى او بطريق الالهام والكشف فلا ينافى ذلك الاختصاص علم الغيب مما لا يطلع عليه الا الانبياء والاولياء والملائكة كما اشار اليه بقوله
{ { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول } ومنه ما استأثر لنفسه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبى مرسل كما اشار اليه بقوله { { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو } ومنه علم الساعة فقد اخفى الله علم الساعة لكن اماراتها بانت من لسان صاحب الشرع كخروج الدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وغيرها مما يظهر فى آخر الزمان من غلبة البدع والهوى وكذا اخبر بعض الاولياء عن نزول المطر واخبر عما فى الرحم من ذكر وانثى فوقع كما اخبر لانه من قبيل الالهام الصحيح الذى لا يتخلف وكذا مرض او العزم الاصفهانى فى شيراز فقال ان مت فى شيراز فلا تدفنونى الا فى مقابر اليهود فانى سألت الله ان اموت فى طرطوس فبرئ ومضى الى طرطوس ومات فيها يعنى اخبر انه لا يموت فى شيراز فكان كذلك.
يقول الفقير اخبر شيخى وسندى قدس سره فى بعض تحريراته عن وقت وفاته قبل عشرين سنة فوقع كما قال وذلك من امارات وراثته الصحيحة.
فان قيل اذا امكن العلم بالغيب لخلص عباه تعالى بتعليمه اياهم فلم لم يعلم الله نبيه الغيوب المذكورة فى الآية.
فالجواب ان الله تعالى انما فعل ذلك اشعارا بان المهم للعبد ان يشتغل بالطاعة ويستعد لسعادة الآخرة ولا يسأل عما لا يهم ولا يشتغل بما لا يعنيه فافهم جدا واعمل لتكون عاقبتك خيرا.
تمت سورة لقمان يوم الاربعاء ثامن شعبان المبارك من شهور تسع ومائة والف