خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
-لقمان

روح البيان في تفسير القرآن

{ خالدين فيها } حال من الضمير فى لهم { وعد الله } اى وعد الله جنات النعيم وعدا فهو مصدر مؤكد لنفسه لان معنى لهم جنات النعيم وعدهم بها { حقا } اى حق ذلك الوعد حقا فهو تأكيد لقوله لهم جنات النعيم ايضا لكنه مصدر مؤكد لغيره لان قوله لهم جنات النعيم وعد وليس كل وعد حقا { وهو العزيز } الذى لا يغلبه شئ فيمنعه عن انجاز وعده او تحقيق وعيده { الحكيم } الذى لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة

نه در رعدة اوست نقض وخلاف نه در كار اوهيج لاف وكذاف

هذا. وقد ذهب بعض المفسرين الى ان المراد بلهو الحديث فى الآية المتقدمة الغناء: يعنى [تغنى وسرور فاسقانست در مجلس فسق وآيت درذم كسى فرود آمدكه بندكان مغنيان خرد يا كنيز كان مغنيات تافا سقانرا مطربى كند] فيكون المعنى من يشترى ذا لهو الحديث او ذات لهو الحديث.
قال الامام مالك اذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله ان يردها بهذا العيب.
قال فى الفقه ولا تقبل شهادة الرجل المغنى للناس لاجتماع الناس فى ارتكاب ذنب يسببه لنفسه ومثل هذا لا يحترز عن الكذب واما من لنفسه لدفع الوحشة ازالة الحزن فتقبل شهادته اذبه لا تسقط العدالة اذا لم يسمع غيره فى الصحيح وكذا لا تقبل شهادة المغنية سواء تغنت للناس او لا اذرفع صوتها حرام فبارتكابها محرما حيث نهى النبى عليه السلام عن صوت المغنية سقطت عن درجة العدالة وفى الحديث
"لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ولاشراؤهن وثمنهن حرام" وقد نهى عليه السلام عن ثمن الكلب وكسب الزمارة: يعنى [از كسب ناى زدن].
قالوا المال الذى يأخذه المغنى والقوال والنائحة حكمه اخف من الرشوة لان صاحب المال اعطاه عن اختيار بغير عقد.
قال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم اصل عليه ان الله يقول
{ { ومن الناس } الخ وفى الحديث "ان الله بعثنى هدى ورحمة للعالمين وامرنى بمحو المعازف والمزامير والاوتار والصنج وامر الجاهلية وحلف ربى بعزته لا يشرب عبد من عبيدى جرعة من خمر متعمدا الا سقيته من الصديد مثلها يوم القيامة مغفورا له او معذبا ولا يتركها من مخافتى الا سقيته من حياض القدس يوم القيامة" وفى الحديث "بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير" قال ابن الكمال المراد بالمزامير آلات الغناء كلها تغليبا اى وان كانت فى الاصل اسماء لذوات النفخ كالبوق ونحوه مما ينفخ فيه والكسر ليس على حقيقته بدليل قرينه بل مبالغة فى النهى وفى الحديث "من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له ان يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة قيل وما الروحانيون يا رسول الله قال قراء اهل الجنة" اى من الملائكة والحور العين ونحوهم.
قال اهل المعانى يدخل فى الآية كل من اختار اللهو واللعب والمزامير والمعازف على القرآن وان كان اللفظ يذكر فى الاستبدال والاختيار كثيرا كما فى الوسيط.
قال فى النصاب ويمنع اهل الذمة عن اظهار بيع المزامير والطنابير واظهار الغناء وغير ذلك.
واما الاحاديث الناطقة برخصة الغناء ايام العيد فمتروكة غير معمول بها اليوم ولذا يلزم على المحتسب احراق المعازف يوم العيد.
واعلم انه لما كان القرآن اصدق الاحاديث واملحها وسماعه والاصغاء اليه مما يستجلب الرحمة من الله استحب التغنى به وهو تحسين الصوت وتطييبه لان ذلك سبب للرقة واثارة للخشية على ما ذهب اليه الامام الاعظمرحمه الله كما فى فتح القريب مالم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فان افرط حتى زاد حرفا او اخفى حرفا فهو حرام كما فى ابكار الافكار.
وعليه يحمل ما فى القنية من انه لو صلى خلف امام للحسن فى القراءة ينبغى ان يعيد. واما فى البزازية من ان من يقرا بالالحان لا يستحق الاجر لان ليس بقارىء فسماع القرآن بشرطه مما لا خلاف فيه وكذا لا خلاف فى حرمة سماع الاوتار والمزامير وسائر الآلات.
لكن قال بعضهم حرمة الآلات المطربة ليست لعينها كحرمة الخمر والزنى بل لغيرها ولذا استثنى العلماء من ذلك الطبل فى الجهاد وطريق الحج فاذا استعملت باللهو واللعب كانت حراما واذا خرجت عن اللهو زالت الحرمة.
قال فى العوارف واما الدف والشبابة وان كان فى مذهب الشافعى فيهما فسحة فالاولى تركهما والاخذ بالاحوط والخروج من الخلاف انتهى خصوصا اذا كان فى الدف الجلاجل ونحوها فانه مكروه بالاتفاق كما فى البستان. وانما الاختلاف فى سماع الاشعار بالالحان والنغمات فان كانت فى ذكر النساء واوصاف اعضاء الانسان من الخدود والقدود فلكونه مما يهيج النفس وشهوتها لا يليق باهل الديانات الاجتماع لمثل ذلك خصوصا اذا كان على طريقة اللهو والتغنى بما يعتاده اهل الموسيقى "من يلالا" و "تنادرتن" وخرافات يستعملونها فى مجالس اهل الشرب ومحافل اهل الفساد كما فى حواشى العوارف للشيخ زيد الدين الحافى قدس سره.
وقد ادخل الموسيقى فى الاشباه فى العلوم المحرمة كالفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وغيرها وان كانت قصائد فى ذكر الجنة والنار والتشويق الى دار القرار ووصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب فى الخيرات فلا سبيل الى الانكار.
ومن ذلك قصائد الغزاة والحجاج ووصف الغزو والحج مما يثير العزم من الغازى وساكن الشوق من الحاج. واذا كان القوال امرد تنجذب النفوس بالنظر اليه وكان للنساء اشراف على الجمع يكون السماع عين الفسق المجمع على تحريمه. واللوطية على ثلاث اصناف صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك لعمل الخبيث.
وكما يمنع الشاب الصائم من القبلة لحليلته حيث جعلت حريم حرام الوقاع. ويمنع الاجنبى من الخلوة بالاجنبية يمنع السامع من سماع صوتم الامرد والمرأة لخوف الفتنة وربما يتخذ للاجتماع طعام تطلب النفوس الاجتماع لذلك لا رغبة للقلوب فى السماع فيصير السماع معلولا تركن اليه النفوس طلبا للشهوات واستجلاء لمواطن اللهو والفضلات فينبغى ان يحذر السامع من ميل النفس لشىء من هواها.
وسئل بعضهم عن التكلف فى السماع فقال هو على ضربين تكلف فى المستمع بطلب جاه او منفعة دنيوية وذلك تلبيس وخيانة وتكلف فيه لطلب الحقيقة كمن يطلب الوجد بالتواجد وهو بمنزلة التباكى المندوب اليه فاذا فعل لغرض صحيح كان مما لا بأس به كالقيام للداخل لم يكن فى زمن النبى عليه السلام فمن فعله لتطييب قلب الداخل والمداراة ودفع الوحشة ان كان فى البلاد عادة يكون من قبيل العشرة وحسن الصحبة. قالوا لو قعد واحد على ظهر بيته وقرىء عليه القرآن من اوله الى آخره فان رمى نفسه فهو صادق والا فليحذر العاقل من دخول الشيطان فى جوفه وحمله عند السماع على نعرة او تصفيق او تحريق او رقص رياء وسمعة.
وفى سماع اهل الرياء ذنوب.
منها انه يكذب على الله وانه وهب له شيئا وما وهب له والكذب على الله من اقبح اللذات.
ومنها ان يغر بعض الحاضرين فيحسن به الظن والاغرار خيانة لقوله عليه السلام
"من غشنا فليس منا" .
ومنها ان يحوج الحاضرين الى موا فقته فى قيامه وقعوده فيكون متكلفا مكلفا للناس بباطله فيجتنب الحركة ما امكن الا اذا صارت حركته كحركة المرتعش الذى لا يجد سبيلا الى الامساك وكالعاطس الذى لا يقدر ان يرد العطسة.
والحاصل ان الميل عند السماع على انواع. منها ميل يتولد من مطالعة الطبيعة للصوت الحسن وهو شهوة وهو حرام لانه شيطانى

جه مردسماعست شهوت برست بآ واز خوش خفته خيزد نه مست

ومنها ميل يتولد من النفس ومطالعة النغمات والالحان وهو هوى وهو حرام ايضا لكونه شيطانيا حاصلا لذى القلب الميت والنفس الحية ومن علامات موت القلب نسيان الرب ونيسان الآخرة والانكباب على اشغال الدنيا واتباع الهوى فكل قلب ملوث بحب الدنيا فسماعه سماع طبع وتكلف

اكر مردى بازى ولهوست ولاغ قوى تر بود ديوش اندر دماغ

ومنها ميل يتولد من القلب بسبب مطالعة نور افعال الحق وهو عشق وهو حلال لانه رحمانى حاصل لذى قلب حى ونفس ميتة. ومنها ميل يتولد من الروح بسبب مطالعة نور صفاته وهو محبة وحضور وسكون وهو حلال ايضا. ومنها ما يتولد من السر بسبب مشاهدة نور ذاته تعالى وهو انس وهو حلال ايضا ولذا قال الشيخ سعدى قدس سره

نكويم سماع اى برادر كه جيست مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى برد طير او فرشته فروماند از سير او

فهو حال العاشق الصادق واصحاب الحال هم الذين اثرت فيهم انوار الاعمال الصالحة فوهبهم الله تعالى على اعمالهم بالمجازاة حالا الوجد والذوق ومآلا الكشف والمشاهدة والمعاينة والمعرفة بشرط الاستقامة.
قال زين الدين الحافى قدس سره فمن يجد فى قلبه نورا يسلك به طريق من اباحه والا فرجوعه الى من كرهه من العلماء اسلم. ومعنى السماع استماع صوت طيب موزون محرك للقلب وقد يطلق على الحركة بطريق تسمية المسبب باسم السبب وجبلت النفوس حتى غير العاقل على الاصغاء الى ما يحب من سماع الصوت الحسن فقد كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لسماع صوته

به از زوى خوبست آواز خوش كه اين حفظ نفس است وآن قوت روح

وكان الاستاذ الامام ابو على البغدادىرحمه الله اوتى حظا عظيما وانه اسلم على يده جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته وحسن صوته كما تغير حال بعضهم من سماع بعض الاصوات القبيحة.
ونقل عن الامام تقى الدين المصرى انه كان استاذا فى التجويد وانه قرأ يوما فى صلاة الصبح
{ { وتفقد الطير فقال مالى لا ارى الهدهد } وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى اكملها فنظروا اليه فاذا هو هدهد قالوا الروح اذا استمع الصوت الحسن والتذ بذلك تذكر مخاطبة الحق اياه بقوله { ألست بربكم } فحنّ الى العود بالحضرة الربوبية وطار من الاوكار البشرية الى الحضرة الصمدية

جه كونه جان نبرد سوى حضرت متعال نداه لطف الهى رسدكه عبدى تعالى

قال حضرة الشيخ ابو طالب المكى فى قوت القلوب ان انكرنا السماع مجملا مطلقا غير مقيد مفصل يكون انكارنا على سبعين صديقا وان كنا نعلم ان الانكار اقرب الى قلوب القراء والمتعبدين الا انا لا نفعل ذلك لانا نعلم مالا يعلمون وسمعنا عن السلف من الاصحاب والتابعين ما لايسمعون انتهى.
فقد جوز الشيخ قدس سره السماع اى سماع الصوت الحسن واستدل عليه باخبار وآثار فى كتابه وقوله يعتبر كما فى العوارف لوفور علمه وكما حاله وعلمه باحوال السلف ومكان ورعه وتقواه وتحريه الاصوب والاعلى لكن من اباحه لم ير اعلانه فى المساجد والبقاء الشريفة فعليك بترك القيل والقال والاخذ بقوة الحال