خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٨
-سبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما ارسلناك } يا محمد اى ما بعثناك: والارسال بالفارسية [فرستادن] { الا } ارسالا { كافة } عامة شاملة { للناس } محيطة باحمرهم واسودهم من الكف بمعنى المنع لانها اذا عمتهم وشملتهم فقد كفتهم ان يخرج منها احد منهم فانتصاب كافة على انها صفة مصدر محذوف والتاء للتأنيث والجار متعلق بها ويجوز ان تكون حالا من الكاف والتاء للمبالغة كتاء علامة اى ما ارسلناك فى حال من الاحوال الا حال كونك جامعا لهم فى الابلاغ لان الكف يلزم الجمع.
وفى كشف الاسرار الكافة هى الجامعة للشئ المانعة له عن التفرق ومنه الكفاف من العيش وقولك كف يدك اى اجمعها اليك ولا يجوز ان يكون حالا من الناس لامتناع تقدم الحال على صاحبها المجرور كامتناع تقدم المجرور على الجار.
قال الراغب وما ارسلناك الا كافا لهم عن المعاصى والتاء فيه للمبالغة انتهى.
{ بشيرا } حال كونك بشيرا بالفارسية { مزده دهنده } للمؤمنين بالجنة وللعاشقين بالرؤية { ونذيرا } وحال كونك منذرا بالفارسية [بيم كننده] للكافرين بالنار وللمنكرين بالحجاب { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } ذلك فيحملهم جهلهم على المخالفة والعصيان وكرر ذكر الناس تخصيصا للجهل بنعمتى البشارة والنذارة ونعمة الرسالة بهم وانهم هم الذين لا يعلمون فضل الله بذلك عليهم ولا يشكرونه وذلك لان العقل لا يستقل بادراك جميع الامور الدنيوية والاخروية والتمييز بين المضار والمنافع فاحتاج الناس الى التبشير والانذار وبيان المشكلات من جهة اهل الوحى.
قال صاحب كشف الاسرار [صديق صديقان عالم كرد شراك نعلين جاكران وى بود وبيكانكان منكران اورا كاذب ميكفتند صداى وحى غيب عاشق سمع عزيز وى بود اورا كاهى ميخواندند عقول همه عقول عقلاء عالم از ادراك نور شراك غرا وعاجز بود وكافران نام او ديوانه نهادند آرى ديدهاى ايشان بحكم لطف ازل توتياى صدق نيافته وبجشمهاى ايشان كحل اقبل حق نرسيده واز آنست كه اورا نشناختند].
ودلت الآية على عموم رسالته وشمول بعثته وفى الحديث
"فضلت على الانبياء بست اعطيت جوامع الكلم" وهى ما يكون الفاظه قليلة ومعانيه كثيرة (ونصرت بالرعب) يعنى نصرنى الله بالقاء الخوف فى قلوب اعدائى (من مسيرة شهر بينى وبينهم) وجعل الغاية شهرا لانه لم يكن بين بلده وبين احد من اعدائه المحاربين له اكثر من شهر (واحلت لى الغنائم) يعنى ان من قبله من الامم كانوا اذا غنموا الحيوانات تكون ملكا للغانمين دون الانبياء فخص نبينا عليه السلام باخذ الخمس والصفى واذا غنموا غيرها من الامتعة والاطعمة والاموال جمعوه فتجيء نار بيضاء من السماء فتحرقه حيث لاغلول وخص هذه الامة المرحومة بالقسمة بينهم كاكل لحم القربان فان الله احله لهم زيادة فى ارزاقهم ولم يحله لمن قبلهم من الامم (وجعلت لى الارض طهورا ومسجدا) يعنى اباح الله لامتى الصلاة حيث كانوا تخفيفا لهم واباح التيمم بالتراب عند فقد الماء ولم يبح الصلاة للامم الماضية الا فى كنائسهم ولم يجز التطهر لهم الا بالماء (وارسلت الى الخلق كافة) اى فى زمنه وغيره ممن تقدم او تأخر بخلاف رسالة نوح عليه السلام فانها وان كانت عامة لجميع اهل الارض لكنها خصت بزمانه.
قال فى انسان العيون والخلق يشتمل الانس والجن والملك والحيوانات والنبات والحجر.
قال الجلال السيوطى وهذا القول اى ارساله للملائكة رجحته فى كتاب الخصائص وقد رجحه قبلى الشيخ تقى الدين السبكى زادانه مرسل لجميع الانبياء والامم السابقة من لدن آدم الى قيام الساعة ورجحه ايضا البارزى وزاد انه مرسل الى جميع الحيوانات والجمادات وزيد على ذلك انه مرسل الى نفسه وذهب جمع الى انه لم يرسل للملائكة منهم الحافظ العراقى والجلال المحلى وحكى الفخر الرازى فى تفسيره والبرهان النسفى فيه الاجماع فيكون قوله عليه السلام
"ارسلت الى الخلق كافة" وقوله تعالى { { ليكون للعالمين نذيرا } من العام المخصوص ولا يشكل عليه حديث سلمان رضى الله عنه اذا كان الرجل فى ارض واقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده لانه يجوز ان يكون ذلك صادرا عن بعثته اليهم.
يقول الفقير دل كونه افضل المخلوقات على عموم بعثته لجميع الموجودات ولذا بشر بمولده اهل الارض والسماء وسلموا عليه حتى الجماد بفصيح الاداء فهو رحمة للعالمين ورسول الى الخلق اجمعين: قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

داعئ ذرات بود آن باك ذات در كفش تسبيح ازان كفتى حصات

قال بعضهم

ترا دادند منشور سعادت وزان بس نوع انسان آفريدند
برى را جمله درخيل تو كردند بس آنكاهى سليمان آفريدند

وختم به النبيون اى فلا نبى بعده لا مشرعا ولا متابعا كما بين فى سورة الاحزاب.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ارسال ماهية وجودك التى عبرت عنها مرة بنورى وتارة بروحى من كتم العدم الى عالم الوجود لم يكن منا الا لتكون بشيرا ونذيرا للناس كافة من اهل الاولين والآخرين والانبياء والمرسلين وان لم يخلقوا بعد لاحتياجهم لك من بدء الوجود فى هذا الشأن وغيره الى الابد كما قال صلى الله عليه وسلم
"الناس محتاجون الى شفاعتى حتى ابى ابراهيم" فاما فى بدء وجودهم فالارواح لما حصلت فى عالم الارواح باشارة كن تابعة لروحك احتاجت الى ان تكون لها بشيرا ونذيرا لتعلقها بالاجسام لانها علوية بالطبع لطيفة نورانية والاجسام سفلية بالطبع كثيفة ظلمانية لا تتعلق به ولا تميل اليها لمضادة بينهما فتحتاج الى بشير يبشرها بحصول كمال لها عند الاتصال بها لترغب اليها وتحتاج الى نذير ينذرها بانها ان لم تتعلق بالاجسام تحرم من كمالها وتبقى ناقصة غير كاملة كمثل حبة فيها شجرة مركوزة بالقوة فان تزرع وترب بالماء تخرج الشجرة من القوة الى الفعل الى ان تبلغ كمال شجرة مثمرة فالروح بمثابة الأكار المربى فبعد تعلق الروح بالقالب واطمئنانه واتصفافه بصفته يحتاج الى بشير بحسب مقامه يبشره بنعيم الجنة وملك لا يبلى ثم يبشره بقرب الحق تعالى ويشوقه الى جماله ويعده بوصاله ونذير ينذره اولا بنار جهنم ثم يوعده بالبعد عن الحق ثم بالقطيعة والهجران ان واذا امعنت النظر وجدت شجرة الموجودات منبتة من بذر روحه صلى الله عليه وسلم وهو ثمرة هذه الشجرة من جميع الانبياء والمرسلين وهم وان كانوا ثمرة هذه الشجرة ايضا ولكن وجدوا هذه المرتبة بتبعيته كما انه من بذر واحد يظهر على الشجرة ثمار كثيرة بتبعية ذلك البذر الواحد فيجد كل بشير ونذير فرعا لاصل بشيريته ونذيريته والذى يدل على هذا التحقيق قوله تعالى { { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } دخلت شجرات الموجودات كلها تحت الخطاب وبقوله { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } يشير الى ان اكثر الناس الذين هم اجزاء وجود الشجرة وما وصلوا الى رتبة الثمرية لا يعلمون حقيقة ما قررنا لان احوال الثمرة ليست معلومة للشجرة الا لثمرة مثلها فى وصفها لتكون واقفة بحالها

نداند آدم كامل جز آدم