خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تزر وازرة وزر اخرى } يقال وزر يزر من الثانى وزرا بالفتح والكسر ووزر يوزر من الرابع حمل. والوزر الاثم والثقل والوازرة صفة للنفس المحذوفة وكذا اخرى والمعنى لا تحمل نفس آثمة يوم القيامة اثم نفس اخرى بحيث تتعرى منه المحمول عنها بل انما تحمل كل منهما وزرها الذى اكتسبته بخلاف الحال فى الدنيا فان الجبابرة يأخذون الولى بالولى والجار بالجار واما فى قوله تعالى { { وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم } من حمل المضلين اثقالهم واثقالا غير اثقالهم فهو حمل اثقال ضلالهم مع اثقال اضلالهم وكلاهما اوزارهم ليس فيها شئ من اوزار غيرهم ألا يرى كيف كذبهم فى قولهم { { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } بقوله { { وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ } ومنه يعلم وجه تحميل معاصى المظلومين يوم القيامة على الظالمين فان المحمول فى الحقيقة جزاء الظلم وان كان يحصل فى الظاهر تخفيف حمل المظلوم ولا يجرى الا فى الذنب المتعدى كما ذكرناه فى اواخر الانعام.
وفيه اشارة الى ان الله تعالى فى خلق كل واحد من الخلق سرا مخصوصا به وله مع كل واحد شان آخر فكل مطالب بما حمل كما ان كل بذر ينبت بنبات قد اودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لانه لا يحمل الا ما حمل عليه كما فى التأويلات النجمية: قال الشيخ سعدى

رطب ناورد جوب خر زهره بار جه تخم افكنى برهمان جشم دار

{ وان تدع } صيغة غائبة اى ولو دعت: وبالفارسية [واكر بخواند] { مثقلة } اى نفس اثقلتها الاوزار والمفعول محذوف اى احدا.
قال الراغب الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح عما يوزن به او يقدّر به يقال هو ثقيل واصله فى الاجسام ثم يقال فى المعانى اثقله الغرم والوزر انتهى.
فالثقل الاثم سمى به لانه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب فى الدنيا { الى حملها } الذى عليها من الذنوب ليحمل بعضها.
قيل فى الاثقال المحمولة فى الظاهر كالشئ المحمول على الظهر حمل بالكسر وفى الاثقال المحمولة فى الباطن كالولد فى البطن حمل بالفتح كما فى المفردات { لا يحمل منه شئ } لم تجب لحمل شئ منه { ولو } للوصل { كان } اى المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو { ذا قربى } ذا قرابة من الداعى كالاب والام والولد والاخ ونحو ذلك اذ لكل واحد منهم يومئذ شأن يغنيه وحمل يعجزه.
ففى هذا دليل انه تعالى لا يؤاخذ بالذنب الا جانيه وان الاستغاثة بالاقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضى الله عنهما يلقى الاب والام ابنه فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا استطيع حسبى ما علىّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها انى كنت لك زوجا فى الدنيا فيثنى عليها خيرا فيقول قد احتجت الى مثقال ذرة من حسناتك لعلى انجوبها مما ترين فتقول ما ايسر ما طلبت ولكن لا اطيق انى اخاف مثل ما تخوفت

هيج رحمى نه برادر به برادر دارد هيج خيرى نه بدر را به بسر مى آيد
دختر ازبهلوى مادر بكند قصد فرار دوستى از همه خويش بسرمى آيد

قال فى الارشاد هذا الآية نفى للتحمل اختيارا والاولى نفى له اجبارا. والاشارة ان الطاعة نور والعصيان ظلمة فاذا اتصف جوهر الانسان بصفة النور او بصفة الظلمة لا تنقل تلك الصفة من جوهره الى جوهر انسان آخر اياما كان ألا ترى ان كل احد عند الصراط يمشى فى نوره لا يتجاوز منه الى غيره شئ وكذا من غيره اليه { انما تنذر } يا محمد بهذه الانذارات. والانذار الابلاغ مع التخويف { الذين يخشون } يخافون { ربهم } حال كونهم { بالغيب } غائبين عن عذابه واحكام الآخرة او عن الناس فى خلواتهم: يعنى [در خلوتها اثر خشيت برايشان ظاهرت نه در صحبتها] فهو حال من الفاعل او حال كون ذلك العذاب غائبا عنهم فهو حال من المفعول { واقاموا الصلاة } اى راعوها كما ينبغى وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا.
قال فى كشف الاسرار وغاير بين اللفظين لان اوقات الخشية دائمة واوقات الصلاة معينة منقضية. والمعنى انما ينفع انذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من اهل التمرد والفساد وان كنت نذيرا للخلق كلهم وخص الخشية والصلاة بالذكر لانهما اصلا الاعمال الحسنة الظاهرية والباطنية. اما الصلاة فانها عماد الدين. واما الخشية فانها شعار اليقين وانما يخشى المرء بقدر علمه بالله كما قال تعالى
{ { انما يخشى الله من عباده العلماء } فقلب لم يكن عالما خاشيا يكون ميتا لا يؤثر فيه الانذار كما قال تعالى { { لينذر من كان حيا } ومع هذا جعل تأثير الانذار مشروطا بشرط آخر وهو اقامة الصلاة وامارة خشية قلبه بالغيب محافظة الصلاة فى الشهادة وفى الحديث "ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" { ومن } [وهركه] { تزكى } تطهر من اوضار الاوزار والمعاصى بالتأثر من هذه الانذارات واصلح حاله بفعل الطاعات { فانما يتزكى لنفسه } لاقتصار نفعه عليها كما ان من تدنس بها لا يتدنس الا عليها ويقال من يعطى الزكاة فانما ثوابه لنفسه { والى الله المصير } اى الرجوع لا الى غيره استقلالا واشتراكا فيجازيهم على تزكيهم احسن الجزاء. واعلم ان ثواب التزكى عن المعاصى هو الجنة ودرجاتها وثواب التزكى عن التعلق بما سوى الله تعالى هو جماله تعالى كما اشار اليه بقوله { والى الله المصير } فمن رجع الى الله بالاختيار لم يبق له بمادونه قرار: قال الشيخ سعدى قدس سره

ندادند صاحب دلان دل ببوست وكرا بلهى داد بى مغز اوست
مى صرف وحدت كسى نوش كرد كه دنيى وعقبى فراموش كرد

والاصل هو العناية.
وعن ابراهيم المهلب السائح رضى الله عنه قال بينا انا اطوف واذا بجارية متعلقة باستار الكعبة وهى تقول بحبك لى ألا رددت علىّ قلبى فقلت يا جارية من اين تعلمين انه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش فى طلبى الجيوش وانفق الاموال حتى اخرجنى من بلاد الشرك وادخلنى فى التوحيد وعرفنى نفسى بعد جهلى اياها فهل هذا يا ابراهيم الا لعناية او محبة قلت وكيف حبك له قالت اعظم شئ واجله قلت وكيف هو قالت هو ارق من الشراب واحلى من الجلاب. وانما تتولد معرفة الله من معرفة النفس بعد تزكيتها كما اشار اليه (من عرف نفسه فقد عرف ربه) ففى هذا ان الولد يكون اعظم فى القدر من الوالد فافهم رحمك الله واياى بعنايته