خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً
٤٢
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ واقسموا بالله } اقسم حلف اصله من القسامة وهى ايمان تقسم على اولياء المقتول ثم صار اسما لكل حلف كما فى المفردات والضمير لمشركى مكة: والمعنى بالفارسية [وسوكند خوردند اهل مكه بخداى تعالى] { جهد ايمانهم } مصدر فى موقع الحال اى جاهدين فى ايمانهم. والجهد والجهد الطاقة والمشقة. وقيل الجهد بالفتح المشقة وبالضم الوسع والايمان بالفتح جمع يمين واليمين فى الحلف مستعار من اليمين بمعى اليد اعتبارا بما يفعل المحالف والمعاهد عنده.
قال الراغب اى حلفوا واجتهدوا فى الحلف ان يأتوا به على ابلغ ما فى وسعهم انتهى.
وكان اهل الجاهلية يحلفون بآبائهم وبالاصنام وبغير ذلك وكانوا يحلفون بالله ويسمونه جهد اليمين وهى اليمين المغلظة كما قال النابغة

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مطلب

اى كما ان الله تعالى اعلى المطالب كذلك الحلف به اعلى الاحلاف ـ روى ـ ان قريشا بلغهم قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى اتتهم الرسل فكذبوهم وحلفوا { لئن جاءهم نذير } اى والله لئن جاء قريشا نبى منذر { ليكونن اهدى } اطوع واصوب دينا { من احدى الامم } [از يكى امتان كذشته] اى من كل من اليهود والنصارى وغيرهم لان احدى شائعة. والامم جمع فليس المراد احدى الامتين اليهود و النصارى فقط ولم يقل من الامم بدون احدى لانه لو قال لجاز ان يراد بعض الامم وقوله فى اواخر الانعام { { ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } اى اليهود والنصارى ثم قوله { { او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم } اى الى الحق لا ينافى العموم لان تخصيص الطائفتين وكتابيهما انما هو لاشتهارهما بين الامم واشتهارهما فيما بين الكتب السماوية.
وقال بعضهم معنى من احدى الامم من الامة التى يقال لها احدى الامم تفضيلا لها على غيرها فى الهدى والاستقامة ومنه قولهم للداهية هى احدى الدواهى اى العظيمة واحدى سبع اى احدى ليالى عاد فى الشدة.
وفى الآية اشارة الى ان الانسان لما كان مركبا من الروح والجسد فبروحانيته يميل الى الدين وما يتعلق به وببشريته يميل الى الدنيا وما يتعلق بها الكافر والمؤمن فيه سواء الا ان الكافر اذا مال الى شئ من الدين بحسب غلبة روحانيته على بشريته وعاهد عليه ثم وقع فى معرض الوفاء به لم توافقه نفسه لانها مائلة الى الكفر راغبة عن الدين وظلمة الكفر تحرّضه على نقض العهد فينقضه وان المؤمن اذا مال الى شئ من الدنيا بحسب غلبة بشريته على روحانيته وعاهد عليه وهو يريد الوفاء به يمنعه نور ايمانه عن ذلك ويحرضه على نقض العهد فينقضه وكذلك المريد الصادق اذا اشتد عليه القبض وملت نفسه من مقاساة شدة الرياضة والمجاهدة يمنى نفسه بنوع من الرخص استمالة لها وربما عاهد الله عليه ويؤكد الشيطان فيه عهده ويمنيه وبعده فاذا وقع فى معرض الوفاء واراد ان يفى بعده فاذا صدقت ارادته تسبق عزيمته وتحرك سلسلة طلبه فينقض عهده مع النفس ويجدد عهد الطلب مع الله ويتمسك بدوام الذكر وملازمته الى ان يفتح الله بمفتاح الذكر باب قلبه الى الحضرة ويزهق بمجيئ الحق باطل ما تمناه { فلما جاءهم نذير } وأى نذير افضل الكل واشرف الانبياء والرسل عليهم السلام { ما زادهم } اى النذير او مجيئه على التسبب { الا نفورا } تباعدا عن الحق والهدى: وبالفارسية [مكر رميدن از حق ودورشدن]