خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ
٣٤
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجعلنا فيها } وخلقنا فى الارض { جنات } بساتين مملوءة { من نخيل } جمع نخلة { واعناب } جمع عنب اى من انواع النخل والعنب ولذلك جمعا دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الانواع.
فان قلت لم ذكر النخيل دون التمور متى يطابق الحب والاعناب فى كونها مأكولة لان التمور والحب والاعناب كلها مأكولة دون النخيل.
قلت لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع وذلك لانها اول شجرة استقرت على وجه الارض وهى عمتنا لانها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام وهى تشبه الانسان من حيث استقامة قدّها وطولها وامتياز ذكرها من بين النبات واختصاصها باللقاح ورائحة طلعها كرائحة المنى ولطلعها غلاف كالمشيمة التى يكون الولد فيها ولو قطع رأسها ماتت كما قالوا اقرب الجماد الى النبات المرجان لانه ينبت فى البحر كالنبات ويكون له اغصان واقرب النبات الى الحيوان النخل لانها تموت بقطع رأسها ولا تثمر بدون اللقاح كما ذكر واقرب الحيوان الى الانسان الفرس: يعنى [ازحيثيت شعور وزيركى] ويرى المنامات كبنى آدم ولو اصاب جمار النخلة آفة هلكت والجمار من النخلة كالمخ من الانسان واذا تقارب ذكورها واناثها حملت حملا كثيرا لانها تستأنس بالمجاورة واذا كانت ذكورها بين اناثها القحتها بالريح وربما قطع الفها من الذكور فلا تحمل لفراقة ويعرض لها العشق وهو ان تميل الى نخلة اخرى ويخف حملها وتهزل وعلاجه ان يشد بينها وبين معشوقها الذى مالت اليه بحبل او يعلق عليها سعفة منه او يجعل فيها من طلعة.
ومن خواص النخلة ان مضغ خوصها يقطع رائحة الثؤم وكذا رائحة الخمر.
واما العنب فقد جاء فى بعض الكتب المنزلة أتكفرون بى وانا خالق العنب وله خواص كثيرة وكذا الزبيب روى انه اهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب فقال
"بسم الله كلوا نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب الوصب ويطفئ الغضب ويرضى الرب ويطيب النكهة ويذهب البلغم ويصفى اللون" وماء الكرم الذى يتقاطر من قضبانها بعد كسحها ينفع للجرب شربا ويجمع ويسقى للمشغوف بالخمر بعد شرب الخمر من غير علمه فيبغض الخمر قطعا.
واول من استخرج الخمر جمشيد الملك فانه توجه مرة الى الصيد فرأى فى بعض الجبال كرمة وعليها عنب فظنها من السموم فامر بحملها حتى يجرّ بها ويطعم العنب لمن يستحق القتل فحملوه فتكسرت حباته فعصروها وجعلوا ماءها فى ظرف فما عاد الملك الى قصره الا وقد تخمر العصير فاحضر رجلا وجب عليه القتل فسقاه من ذلك فشربه بكره ومشقة ونام نومة ثقيلة ثم انتبه وقال اسقونى منه فسقوه ايضا مرارا فلم يحدث فيه الا السرور والطرب فسقوا غيره وغيره فذكروا انهم انبسطوا بعد ما شربوه ووجدوا سروا وطربا فشرب الملك فاعجبه ثم امر بغرسه فى سائر البلاد وكانت الخمر حلالا فى الامم السالفة فحرمها الله تعالى علينا لانها مفتاح لكل شر وجالبة لكل سوء وضرّ ومميته للقلب ومسخطه للرب وفى الحديث
"خير خلكم خل خمركم" وذلك لان انقلاب الخمر الى الخل مرضاة للرب.
وفيه خواص كثيرة واكثر الناس السعال والتنحنح فى مجلس معاوية فامر بشرب خل الخمر.
والخل ورد فيه (نعم الادام) وقد تعيش به كثير من السلف الكرام نسأل الله القناعة على الدوام { وفجرنا } الفجر شق الشئ شقا واسعا كما فى المفردات.
قال بعضهم التفجير كالتفتيح لفظا ومعنى وبناء التفعيل للتكثير: والمعنى بالفارسية [در كشاديم وروانه كرديم] { فيها } اى فى الارض { من العيون } جمع عين وهى فى الاصل الجارحة ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها فى الهيئة وفى سيلان الماء منها ومن عين الماء اشتق ماء معين اى ظاهر للعيون ومعنى من العيون من ماء العيون فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه او العيون ومن مزيدة على رأى الاخفش.
واعلم ان تفجير الانهار والعيون فى البلاد رحمة من الله تعالى على العباد اذ حياة كل شئ من الماء وللبساتين منه النضارة والنماء. والعيون اما جارية واما غير جارية والجارية غير الانهار اذ هى اكثر واوسع من العيون ومنبعها غير معلوم غالبا كالنيل المبارك حيث لم يوجد رأسه وغير الجارية هى الآبار. وفى الدنيا عيون وآبار كثيرة وفى بعضها خواص زائدة كعين شبرم وهى بين اصفهان وشيراز وهى من عجائب الدنيا وذلك ان الجراد اذا وقعت بارض يحمل اليها من ذلك العين ماء فى ظرف او غيره فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر ويقال له السوادية بحيث ان حامل الماء لا يضعه الى الارض ولا يلتفت وراءه فتبقى تلك الطيور على رأس حامل الماء فى الجو كالسحابة السوداء الى ان يصل الى الارض التى بها الجراد فتصيح الطير عليها فتقتلها فلا يرى شئ من الجراد متحركا بل يموت من اصوات تلك الطيور.
يقول الفقير فى حد الروم ايضا عين يقال لها ماء الجراد وهى مشهورة فى جميع البلاد الرومية ينقل ماؤها من بلدة الى بلدة لقتل الجراد اذا استولت وقد حصلت تلك الخاصية لها بنفس من انفاس بعض الاولياء وان كان التأثير فى كل شئ من الله تعالى ولهذا نظائر منها ان فى قبر ابراهيم بن ادهم قدس سره ثقبة اذا قصد ظالم بسوء البلدة التى فيها ذلك القبر المنيف يخرج من تلك الثقبة نحل وزنابير تلسعه ومن يتبعه فيتفرقون: وفى المثنوى

اوليارا هست قوت ازآله تير جسته بازكر داند زراه

نسأل الله العصمة والتوفيق والشرب من عين التحقيق