خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٣٨
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ والشمس } معطوف على الليل اى وآية لهم الشمس المضيئة المشرقة على صحائف الكائنات كاشراق نور الوجود المطلق الفائض على هياكل الموجودات حسب التجليات الالهية كأنه قيل كيف كانت آية فقيل { تجرى } او حال كونها جارية وسائرة { لمستقر لها } فيه وجوه.
الاول ان اللام فى لمستقر للتعليل والمستقر اسم مكان اى تجرى لبلوغ مستقر وحد معين ينتهى اليه دورها فى آخر السنة فشبه بمستقر المسافر اذا قطع سيره.
والثانى ان اللام بمعنى الى والمستقر كبد السماء اى وسطها والمعنى تجرى الى ان تبلغ الى وسط السماء وتستقر فيه شبه بطؤ حركتها فيه بالوقفة والاستقرار والا فلا استقرار لها حقيقة كما قال فى المفردات الزوال يقال فى شئ قد كان ثابتا ومعلوم ان لاثبات للشمس فكيف يقال زوال الشمس فالجواب قالوه لاعتقادهم فى الظهيرة ان لها ثباتا فى كبد السماء وكما قال فى شرح التقويم فان قلت لم سميت السيارة بها وليست السموات بساكنة قلت لسرعة حركتها بالنسبة الى حركة الكواكب الباقية فان حركتها فى غاية البطؤ ولذلك تسمى ثوابت.
والثالث ان اللام لام العاقبة والمستقر مصدر ميمى اى تجرى بحيث يترتب على جريها استقرارها فى كل برج من البروج الاثنى عشر على نهج مخصوص بان تستقر فى كل برج شهرا ويأخذ الليل من النهار فى نصف الحول والنهار من الليل فى النصف الآخر منه وتبلغ نهاية ارتفاعها فى الصيف ونهاية انحطاطها فى الشتاء ويترتب عليه اختلاف الفصول الاربعة وتهيئة اسباب معاش الارضيات وتربيتها.
والرابع ان المعنى المنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فان لها فى دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود اليها الى العام القابل فالمستقر اسم زمان اى تجرى الى زمان استقرارها وانقطاع حركتها عند خراب العالم او الى وقت قرارها وتغير حالها بالطلوع من مغربها كما
"قال ابو ذر رضى الله عنه دخلت المسجد ورسول الله عليه السلام جالس فلما غابت الشمس قال عليه السلام يا ابا ذر أتدرى اين تذهب هذه الشمس فقلت الله ورسوله اعلم فقال تذهب تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك ان تسجد ولا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ويقال لها ارجعى من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله والشمس تجرى لمستقر لها" وفهم من الحديث ان المستقر ايضا تحت العرش والمراد بالسجدة الانقياد ويجوز ان تكون على حقيقتها فان الله تعالى قادر على ان يخلق فيها حياة وادراكا يصح معهما سجدتها كما سبق نظائرها.
قال بعض العارفين تسجد بروحها عند العرش كما تسجد الروح عند النوم اذا باتت على طهارة.
قال امام الحرمين وغيره من الفضلاء لاخلاف ان الشمس تغرب عند قوم وتطلع عند قوم آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند قوم آخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين ابدا والارض مدورة مسيرة خمسمائة عام كأنها نصف كرة مدورة فيكون وسطها ارفع ولذلك سموا الجزيرة التى هى وسط الارض كلها المستوى فيها الليل والنهار قبة الارض وحول الارض البحر الاعظم المحيط فيه ماء غليظ منتن لا تجرى فيه المراكب وحول هذا البحر جبل قاف خلق من زمرد اخضر وسماء الدنيا مقبية عليه ومنه خضرتها.
وسئل الشيخ ابو حامد رضى الله عنه عن بلاد بلغار كيف يصلون لان الشمس لا تغرب عندهم الا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع فقال يعتبر صومهم وصلاتهم باقرب البلاد اليهم والاصح عند اكثر الفقهاء انهم يقدرون الليل والنهار ويعتبرون بحسب الساعات كما قال عليه السلام فى حق الدجال
"يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة فيقدر الصلاة والصيام فى زمنه" { ذلك } الجرى البديع المنطوى على الحكم العجيبة التى تتحير فى فهمها العقول والافهام { تقدير العزيز } الغالب بقدرته على كل مقدور { العليم } المحيط علمه بكل معلوم.
قال فى المفردات التقدير تبيين كمية الشئ.
وتقدير الله الاشياء على وجهين احدهما باعطاء القدرة. والثانى ان يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضته الحكمة.
وذلك ان فعل الله ضربان ضرب اوجده بالفعل ومعنى ايجاده بالفعل اظهاره. وضرب اجراه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره فى النواة ان ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير منى الآدمى ان يكون منه الانسان دون سائر الحيوانات.
فتقدير الله على وجهين. احدهما بالحكم منه ان يكون كذا ولا يكون كذا اما على سبيل الوجوب واما على سبيل الامكان. والثانى باعطاء القدرة عليه.
وفى الآية اشارة الى شمس نور الله فانها { تجرى لمستقر لها } وهو قلب استقر فيه رشاش نور الله { ذلك } المستقر { تقدير العزيز } الذى لا يهتدى اليه احد الابه { العليم } الذى يعلم حيث يجعل رسالته فليس كل قلب مستقرا لذلك النور فلا بد من التهيئة والتصقيل الى ان يتلطف ويزول منه كل ثقيل مما يتعلق بظلمات الكون والفساد

كوهر انواررا دلهاى باك آمد صدف