خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٤٠
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا الشمس ينبغى لها } هو ابلغ من لا ينبغى للشمس كما ان انت لا تكذب بتقديم المسند اليه آكد من لا تكذب انت لاشتمال الاول على تكرر الاسناد. ففى ذكر حرف النفى مع الشمس دون الفعل دلالة على ان الشمس مسخرة لايتيسر لها الا ما اريد بها وقدر لها وينبغى من الانفعال وثلاثيه بغى يبغى بمعنى طلب تجاوز الاقتصار فيما يتحرى تجاوزه او لم يتجاوز واما استعمال انبغى ماضيا فقليل.
قال فى كشف الاسرار يقال بغيت الشئ فانبغى لى اى استسهلته فتسهل لى وطلبته فتيسر لى والمعنى لا الشمس يصح لها ويتسهل: وبالفارسية [نه آفتاب سزد مرورا وشايد] { ان تدرك القمر } فى سرعة سيره فان القمر اسرع سيرا حيث يقطع فلكه ويدور فى منازله الثمانى والعشرين فى شهر واحد بخلاف الشمس فانها ابطأ منه حيث لا تقطع فلكها ولا تدور فى تلك المنازل المقسومة على الاثنى عشر برجا الا فى سنة فيكون مقام الشمس فى كل منزلة ثلاثة عشر يوما فهى لا تدرك القمر فى سرعة سيره فانه تعالى جعل سيرها ابطأ من سير القمر واسرع من سير زحل وهو كوكب السماء السابعة وذلك لان الشمس كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا كثيرا فى مسامتة شئ واحد فتحرقه ولو كانت سريعة السير لما حصل لها لبث فى بقعة واحدة بقدر ما يخرج النبات من الارض والاوراق والثمار من الاشجار وبقدر ما ينضج الثمار والحبوب ويجف فلو ادركت القمر فى سرعة سيره لكان فى شهر واحد صيف وشتاء فيختل بذلك احكام الفصول وتكوّن النبات وتعيش الحيوان ويجوز ان يكون المعنى ليس للشمس ان تدرك القمر فى آثاره ومنافعه مع قوة نورها واشراقها فان لكل واحد منهما آثارا ومنافع تخصه وليس للآخر ان يدركه فيها كما قالوا الثمرة تنضجها الشمس ويلونها القمر ويعطيها الطعم الكوكب.
وقالوا ان سهيلا وهو كوكب يمنىّ يعطى الحجر اللون الاحمر فيصير عقيقا. ويجوز ان يكون معى ان تدرك القمر اى فى مكانه فان القمر فى السماء الدنيا والشمس فى السماء الرابعة فهى لا تدركه فى مكانه ولا يجتمعان فى موضع اولا تدركه فى سلطانه اى نوره الذى هو برهان لوجوده فان نوره انما يكون بالليل فليس للشمس ان تجامعه فى وقت من اوقات ظهور سلطانه بان تطلع بالليل فتطمس نوره فسلطان القمر بالليل وسلطان الشمس بالنهار ولو ادركت الشمس القمر لذهب ضوءه وبطل سلطانه ودخل النهار على الليل.
وفى بعض التصاوير لا ينبغى للشمس ان تدرك سلطان القمر فتراه ناقصا وذلك ان الله تعالى لما قبض نور القمر سأله القمران لا ترى الشمس نقصانه.
وقال بعض الكبار جعل الله شهورنا قمرية ولم يجعلها شمسية تنبيها من الله تعالى للعارفين من عباده ان آية القمر بمحوه عن العالم الظاهر لمن اعتبر فى قوله تعالى وتدبر { لا الشمس ينبغى لها ان تدرك القمر } اى فى علو المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم التى اعطاها للمحمديين العربيين واجراها واخفاها فيهم يعنى ان آيات المحمديين ليست بظاهرة فى ظواهرهم غالبا كآية القمر وستظهر كراماتهم فى الآخرة التى هى آثار ما فى بواطنهم من العلوم والكشوف والحقائق والخوارق { ولا الليل سابق النهار } اى ولا الليل يسبق النهار فيعجزه من ان ينتهى اليه ويجيئ الليل بعده ولكن الليل يعاقب النهار ويناوبه.
وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر الى سلطان الشمس فى محو نورها فيكون عكسا للاول فالمعنى لا يصح للقمر ايضا ان يطلع فى وقت ظهور سلطان الشمس وضوئها بحيث يغلب نورها ويصير الزمان كله ليلا فهما يسيران الدهر ولا يدخل احدهما على الآخر ولا يجتمعان الا عند ابطال الله هذا التدبير ونقض هذا التأليف وتطلع الشمس من مغربها ويجتمع معها القمر كما قال تعالى
{ { وجمع الشمس والقمر } وذلك من اشراط الساعة.
فان قلت اذا كان هذا عكس ما ذكر قبله كان المناسب ان يقال ولا الليل مدرك النهار.
قلت ايراد السبق مكان الادراك لانه الملائم لسرعة سيره.
وفيه اشارة الى انه كما لا يصير القمر شمسا والشمس قمرا فكذلك قمر القلب بتوجهه الى شمس شهود الحق يتنور بنورها كما قال تعالى
{ { واشرقت الارض بنور ربها } ولكنه لا يصير الرب تعالى عبدا ولا العبد ربا فان للرب الربوبية وللعبد العبودية تعالى الله عما يقول اصحاب الحلول وارباب الفضول { وكل } اى وكلهم على ان التنوين عوض عن المضاف اليه الذى هو الضمير العائد الى الشمس والقمر والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطلعهما فان اختلاف الاحوال يوجب تعددا ما فى الذات او الى الكواكب فان ذكرهما مشعر بها { فى فلك } مخصوص معين من الافلاك السبعة.
وفى بحر العلوم فى جنس الفلك كقولهم كساهم الامير حلة يريدون كساهم هذا الجنس والفلك مجرى الكواكب ومسيرها وتسميته بذلك لكونه كالفلك كما فى المفردات والجار متعلق { يسبحون } السبح المر السريع فى الماء او فى الهواء واستعير لمر النجوم فى الفلك كما فى المفردات.
وقال فى كشف الاسرار السبح الانبساط فى السير كالسباحة فى الماء وكل من انبسط فى شئ فقط سبح فيه والمعنى يسيرون بانبساط وسهولة لامزاحم لهم سير السابح فى سطح الماء.
واخرج السيوطى فى كتاب الهيئة السنية خلق الله بحرا دون السماء جاريا فى سرعة السهم قائما فى الهواء بامر الله تعالى لا يقطر منه قطرة يجرى فيه الشمس والقمر والنجوم فذلك قوله تعالى { وكل فى فلك يسبحون } والقمر يدور دوران العجلة فى لجة غمر ذلك البحر فاذا احب الله ان يحدث الكسوف حرف الشمس عن العجلة فتقع فى غمر ذلك البحر ويبقى سائرا على العجلة النصف او الثلث او ما شاء الرب تعالى للحكمة الربانية واقتضاء الاستعداد الكونى.
قال المنجمون قوله تعالى { يسبحون } يدل على ان الشمس والقمر والكواكب السيارة احياء عقلاء لان الجمع بالواو والنون لا يطلق على غير العقلاء.
وقال الامام الرازى ان ارادوا القدر الذي يصح به التسبيح فنقول به لان كل شئ يسبح بحمده وان ارادوا شيئا آخر فذلك لم يثبت والاستعمال لا يدل عليه كما فى قوله تعالى فى حق الاصنام
{ { ما لكم لا تنطقون } وقوله { { ألا تأكلون
} وقال الامام النسفى جمع يسبحون بالواو والنون لانه تعالى وصفها بصفات العقلاء كالسباحة والسبق والادراك وان لم يكن لها اختيار فى افعالها بل مسخرة عليها يفعل بها ذلك تجبرا.
يقول الفقير هنا وجه آخر هو ان صيغة العقلاء باعتبار مبادى حركات الافلاك والنجوم فان مبادى حركاتها جواهر مجردة عن مواد الافلاك فى ذواتها ومتعلقة بها فى حركاتها ويقال لتلك الجواهر النفوس الفلكية على انه ليس عند اهل الله شئ خال عن الحياة فان سرّ الحياة سار فى جميع الاشياء ارضية كانت او سماوية لا سيما الشمس والقمر اللذان هما عينا هذا التعين الكونى

جمله ذرات زمين وآسمان مظهر سرّ حياتست اى جوان
كى تواند يافتن آنرا خرد هست اوسرى خرد كى بى برد

نسأل الله تعالى حقيقة الادراك والحفظ عن الزلق والهلاك