خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ
٦٧
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولو نشاء لمسخناهم } المسخ تحويل الصورة الى ما هو اقبح منها سواء كان ذلك التحويل بقبلها الى صورة البهيمية مع بقاء الصورة الحيوانية او بقلبها حجرا ونحوه من الجمادات بابطال القوى الحيوانية. والمعنى ولو نشاء نسقطهم عن رتبة التكليف ودرجة الاعتبار لغيرنا صورهم بان جعلناهم قردة وخنازير كما فعلنا بقوم موسى اى بنى اسرائيل فى زمان داود عليه السلام اوبان جعلناهم حجارة ومدرة وهذا اشد من الاول واقبح لان الاول خروج عن رتبة الانسانية الى الحيوانية وهذا عن الحيوانية الى الجمادية التى ليس فيها شعور اصلا وقطعا { على مكانتهم } بمعنى المكان الا ان المكانة اخص كالمقامة والمقام اى مكانهم ومنزلهم الذى هم فيه قعود: وبالفارسية [برجاى خويش تاهم آنجا افسرده شوند] وقال بعضهم لاقعدناهم على ارجلهم وازمناهم { فما استطاعوا مضيا } ذهابا واقبالا الى جانب امامهم اى لم يقدروا ان يبرحوا مكانهم باقبال. اصله مضوى قلبت الواو ياء وادغمت الياء فى الياء وكسرت الضاد قبل الياد لتسلم الياء ومن قرأ مضيا بكسر الميم فانما كسرها اتباعا للضاد { ولا يرجعون } اى ولا رجوعا وادبارا الى جهة خلفهم فوضع موضع الفعل لمراعاة الفاصلة وليس مساق الشرطين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان انهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دثار امثالهم احقاء بان يفعل بهم فى الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم فى الآخرة عقوبة الختم وان المانع من ذلك ليس الا عدم تعلق المشيئة الالهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ لفعلناها لكنا لم نفعل جريا على سنن الرحمة العامة والحكمة التامة الداعيتين الى امهالهم زمانا الى ان يتوبوا ويؤمنوا ويشكروا النعمة اوالى ان يتولد منهم من يتصف بذلك.
قال بعض الحكماء المسخ ضربان خاص وهو تشويه الخلق بالفتح وعام فى كل زمان وهو تبديل الخلق بالضم وذلك ان يصير الانسان متخلقا بخلق ذميم من اخلاق بعض الحيوانات نحو ان يصير فى شدة الحرص كالكلب او الشره كالخنزير او الغمارة كالثور. فعبارة الآية فى تحويل الصورة واشارتها فى تحويل الصفات الانسانية بالصفات السبعية والشيطانية فلا يقدرون على ازالة هذه الصفات ولا يقدرون على رجوعهم الى صفاتهم الانسانية فمن مسخه الله فى الدنيا بصفات حشره فى صورة صفته الممسوخة كما جاء فى الحديث الصحيح
"ان آزر يحشر على صفة ضبع"
قال فى حياة الحيوان فى الحديث يلقى ابراهيم عليه السلام اباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم ألم اقل لك لا تعص فيقول ابوه فاليوم لا اعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتنى ان لا تخزينى يوم يبعثون فأى خزى اخزى من ان يكون ابى فى النار فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذبح متلطخ وهو بكسر الذال والخاء المعجمتين ذكر الضباع الكثيرة الشعر فيؤخذ بقوائمة ويلقى فى النار والحكمة فى كون آزر مسخ ضبعا دون غيره من الحيوان ان الضبع تغفل عما يجب التيقظ له وتوصف بالحمق فلما لم يقبل آزر النصيحة من اشفق الناس عليه وقبل خديعة عدوه الشيطان اشبه الضبع الموصوفة بالحمق لان الصياد اذا اراد ان يصيدها رمى فى حجرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك ولان آزر لو مسخ كلبا او خنزيرا كان فيه تشويه لخلقه فاراد الله تعالى اكرام ابراهيم عليه السلام بجعل ابيه على هيئة متوسطة.
قال فى المحكم يقال خزيته اى ذللته فلما خفض ابراهيم عليه السلام له جناح الذل من الرحمة لم يخز بصفة الذل يوم القيامة فاذا كان حال ابراهيم فما ظنك بغيره ممن لم يأت الله بقلب سليم فينبغى ان لا يلتفت الى الا كتساب بل يؤخذ بصالحات الاعمال وخالصات الاحوال نرجو من الله المتعال ان لا يفضحنا يوم السؤال