خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٦
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ فلا يحزنك قولهم } الفاء لترتيب النهى على ما قبله والنهى وان كان بحسب الظاهر متوجها الى قولهم لكنه فى الحقيقة متوجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى له عن التأثر منه بطريق الكناية على ابلغ وجه وآكده فان النهى عن اسباب الشئ ومباديه المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهانى وابطال للسبيية. وقد يوجه النهى الى المسبب ويراد النهى عن السبب كما فى قوله لا ارينك ههنا يريد به نهى مخاطبه عن الحضور لديه والمراد بقولهم ما ينبئ عنه ما ذكر من اتخاذهم الاصنام آلهة فان ذلك مما لا يخلو عن التفوه بقولهم هؤلاء آلهتنا وانهم شركاء الله تعالى فى المعبودية وغير ذلك مما يورث الحزن كذا فى الارشاد.
قال ابن الشيخ الفاء جزائية اى اذا سمعت قولهم فى الله ان له شريكا وولدا وفيك انك كاذب شاعر وتألمت من اذائهم وجفائهم فتسل باحاطة علمى بجميع احوالهم وبانى اجازيهم على تكذيبهم اياك واشراكهم بى { انا نعلم ما يسرون وما يعلنون }.
قال فى الارشاد تعليل صريح للنهى بطريق الاستئناف بعد تعليله بطريق الاشعار فان العلم بما ذكر مستلزم للمجازاة قطعا اى نعلم بعلمنا الحضورى عموم ما يضمرون فى صدورهم من العقائد الفاسدة ومن العداوة والبغض وجميع ما يظهرون بألسنتهم من كلمات الكفر والشرك بالله والانكار للرسالة فنجازيهم على جميع جناياتهم الخافية والبادية

بآشكار نهان هرجه كفتى وكردى جزا دهد بتو داناى آشكار ونهان

وتقديم السر على العلن اما للمبالغة فى بيان شمول علمه تعالى لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون مع استوائهما فىالحقيقة فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الاشياء البارزة والكامنة واما لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شئ يعلن الا وهو او مباديه مضمر فى القلب قبل ذلك فتعلق علمه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة.
وفى الاية اشارة الى ان كلام الاعداء الصادر من العداوة والحسد جدير ان يحزن قلوب الانبياء مع كمال قوتهم وانهم ومتابعيهم مأمورون بعدم الالتفات وتطييب القلوب فى مقاساة الشدائد فى الله بان لها ثمرات كريمة عند الله وللحساد مطالب بها عند الله كما قال { انا نعلم ما يسرون } من الحسد والضغائن { وما يعلنون } من العداوة والطعن وانواع الجفاء واذا علم العبد ان المه آت من الحق هان عليه ما يقاسيه لا سيما اذا كان فى الله كما فى التأويلات النجمية.
قال بعض الكبار ليخفف ألم البلاء علمك بان الله هو المبتلى

هرجه ازجانان مى آيد صفا باشد مرا

هذا.
قال فى برهان القرآن قوله { فلا يحزنك قولهم انا نعلم } وفى يونس
{ { ولا يحزنك قولهم ان العزة لله جميعا } تشابها فى الوقف على قولهم فى السورتين لان الوقف عليه لازم وان فيهما مكسور فى الابتداء لا فى الحكاية ومحكى القول فيهما محذوف ولا يجوز الوصل لان النبى صلى الله عليه وسلم منزه عن ان يخاطب بذلك انتهى.
قال فى بحر العلوم قوله { انا } الخ تعليل للنهى على الاستئناف ولذلك لو قرئ انا بفتح الهمزة على حذف لام التعليل جاز وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لبيك ان الحمد والنعمة لك" كسر ابو حنيفة وفتح الشافعى وكلاهما تعليل انتهى.
وفى الكواشى وزعم بعضهم ان من فتح { انا } بطلت صلاته وكفر وليس كذلك لانه لا يخلو اما ان يفتحها تعليلا فمعناه كالمكسورة او يفتحها بدلا من قولهم وليس بكفر ايضا لجواز ان يخاطب هو صلى الله عليه وسلم والمراد غيره نحو
{ { لئن اشركت ليحبطن عملك } بل ان اعتقد ان محمدا عليه السلام يحزن لعلمه تعالى سرهم وعلانيتهم فقد كفر او يفتحها معمولة قولهم عند من يعمل القول بكل حال وليس بكفر ايضا انتهى كلامه باجمال