خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
١٠٧
-الصافات

روح البيان في تفسير القرآن

{ وفديناه بذبح } بما يذبح بدله فيتم به الفعل المأمور وهر فرى الاوداج وانهار الدم اى جعلنا الذبح بالكسر اسم لما يذبح فداء له وخلصناه به من الذبح: وبالفارسية [وفدا داديم اسماعيل را بكبشى] والفادى فى الحقيقة هو ابراهيم وانما قال وفديناه لانه تعالى هو المعطى له والآمر به على التجوز فى الفداء او الاسناد { عظيم } اى عظيم الجثة سمين وهى السنة فى الاضاحى كما قال عليه السلام "عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم" او عظيم القدر لانه يفدى به الله نبيا ابن نبى وأى نبى من نسله سيد المرسلين. وفى التأويلات النجمية انما سمى الذبح عظيما لانه فداء نبيين عظيمين احدهما اعظم من الآخر وهما اسماعيل ومحمد عليهما السلام لانه كان محمد فى صلب اسماعيل انتهى.
وفى اسئلة الحكم لم عظم الله الذبح مع ان البدن اعظم فى القربان من الكبش لانها تنوب عن سبعة الجواب لشدة المناسبة بين الكبش وبين النفس المسلمة الفانية فى الله فانه خلق مستسلما للذبح فحسب فيكون الكبش فى الآخرة صورة الموت يذبح على الصراط كما كان صورة الفناء الكلى والتسليم والانقياد ولذلك المعنى عظمه الله تعالى لان فضل كل شئ بالمعنى لا بالصورة اذ فضل الصورة تابع لفضل المعنى بخلاف البدنة فان المقصود الاعظم منها الركوب وحمل الاثقال عليها قيل كان ذلك كبشا من الجنة.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه الكبش الذى قربه هابيل فتقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل وحينئذ تكون النار التى نزلت فى زمن هابيل لم تأكله بل رفعته الى السماء وحينئذ يكون قول بعضهم فنزلت النار فاكلته محمولا على التسمح كما فى انسان العيون. ويحتمل ان تتجسم الروح كما تتجسم المعانى وتبقى ابدا فلا ينافى ان تأكله النار فى زمن هابيل ان يذبحه ابراهيم ثانيا.
وروى انه هرب من ابراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى اخذه فبقى سنة فى الرمى.
وروى انه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده كما سبق.
وروى انه لما ذبحه قال جبريل "الله اكبر الله اكبر" فقال الذبيح "لا اله الا الله والله اكبر" فقال ابراهيم "الله اكبر ولله الحمد" فبقى سنة.
واعلم ان الذبح ثلاثة وهو ذبح هابيل ثم ذبح ابراهيم ثم ذبح الموت فى صورة الكبش. وكذا الفداء فانه فداء اسماعيل بكبش هابيل وفداء المؤمنين يوم القيامة يفدى عن كل مؤمن بكافر يأخذ المؤمن بناصيته فيلقيه فى النار وفداء الله عن الحياة الابدية بالموت يذبح فى صورة الكبش على الصراط فيلقى به فى النار بشارة لاهل الجنة بالخلود الدائم وتبكيتا لاهل النار بالعقوبة الدائمة.
ففيه اشارة الى مراتب التوحيد فذبح هابيل اشارة الى توحيد الافعال وذبح يحيى الى توحيد الصفات وذبح ابراهيم الى توحيد الذات لانه مظهر توحيد الذات والفناء الكلى فى ذات الله تعالى فذبحه اعظم من كل ذبح وفداؤه اتم من كل فداء.
قالوا ان الدم اذا تعين على الحاج فلا يسقط عمن تعين عليه ولما تعين ذبح ولد ابراهيم لم يسقط عنه الدم اصلا ففداه الله تعالى بكبش عظيم حيث جعله بدل افساد نبى مكرم فحصل الدم وبعد ان وجب فلا يرتفع ولذا من نذر بذبح ولده لزمه شاة عند الحنفية فصارت صورة ولد ابراهيم صورة الكبش يساق الى الجنة يدخل فيها فى أى صورة شاء فذبحت صورة الكبش ولبست صورة ولد ابراهيم صورة الكبش وهذا سبب العقيقة التى كل انسان مرهون بعقيقته ولو لم يفد الله بالكبش لصار ذبح الناس واحدا من ابنائهم سنة الى يوم القيامة.
وتحقيق المقام انه كان كبش ظهر فى صورة ابن ابراهيم فى المنام لمناسبة واقعة بينهما وهى الاستسلام والانقياد فكان مراد الله الكبش لا ابن ابراهيم فما كان ذلك المرئى عند الله الا الذبح العظيم متمثلا فى صورة ولده ففدى الحق ولده بالذبح العظيم وهذا كمال ان العلم يرى فى صورة اللبن فليس ما يرى فى حضرة الخيال عين اللبن وحقيقته فلو تجاوز ابراهيم عليه السلام عما رآه فى حضرة الخيال الى المعنى المقصود منه بان يعبر ذبح ابنه فى منامه بذبح الكبش الذى فى صورته لما ظهر لاهل الآفاق كمال فنائه وتمام استسلامه وكذلك انقياد ابنه لكن الله سبحانه اراد اراءة استسلامهما واظهار انقيادهما لامره تعالى فاخفىعليه تعبير رؤياه وستر المقصود من المنام حتى صدق الرؤيا وفعل ما فعل لتلك الحكمة العلية.
واختلف. (فى ان الذبيح اسماعيل او اسحاق فذهب اكثر المفسرين الى الاول لوجوده ذكرت فى التفاسير ولان قرنى الكبش كانا معلقين بالكعبة الى ان احترق البيت واحترق القرنان فى ايام ابن الزبير والحجاج ولم يكن اسحاق ثمة.
وفى فضائل القدس كان فى السلسة التى فى وسط القبة على صخرة الله درة يتيمة وقرنا كبش ابراهيم وتاج كسرى معلقات فيها ايام عبد الملك بن مروان فلما صارت الخلافة الى بنى هاشم حولوا الى الكعبة حرسها الله انتهى.
يقول الفقير هذا يقتضى ان لا تأكل النار الكبش الذى جاء فداء لان بقاء القرن من موجبات ذلك واكل النار القربان كان عادة الهية من لدن آدم الى زمان نبينا عليه السلام ثم رفع عن قربان هذه الامة.
اللهم الا ان يحمل على احد وجوه. الاول ان معنى اكل النار القربان احراقه بحيث يخرج عن الانتفاع به وهذا لا يوجب كون القرنين حريقين بالكلية. والثانى ان الذى كان يحرقه النار ليس جثة القربان بمجموعها من القرن الى القدم بل ثروبه واطايب لحمه كما روى ان بنى اسرائيل كانوا اذا ذبحوا قربانا وضعوا ثروبه واطايب لحمه فى موضع فيدعو النبى فتأتى نار فتأكله فلا يلزم ان يكون جميع اجزائه مأكولة محروقة. والثالث انه محمول على التمسح كما سبق فى قربان هابيل.
فان قلت قد صح ان عبد المطلب نذر ان يذبح ولدا ان سهل الله حفر بئر زمزم او بلغ بنوه عشرة فلما سهل الله فخرج السهم على عبد الله والد رسول الله منعه اخواله ففداه بمائة من الابل ولذلك سنت الدية بمائة فقد روى انه فرق لحوم القرابين المذكورة الى الفقراء ولم تأكلها النار فكيف كان سنة الهية بين جميع الملل.
قلت المتقرب ان كان جاهليا فلا شك ان قربانه غير معتد به وان كان اسلاميا فلا بد ان يكون فى محضر بنى من الانبياء اذ هو الذى يدعو فتأتى النار كما لا يخفى على من له حظ او فى من علم التفسير والتأويل). وذهب. (الى الثانى بعض ارباب الحقائق والتوفيق بين الروايتين عند التحقيق ان صورة الذبح جرى فى الظاهر الى حقيقة اسماعيل اولا ثم سرى ثانيا الى حقيقة اسحاق لتحققه ايضا بمقام الارث الا براهيمى من التسليم والتفويض والانقياد الذى ظهر فى صورة الكبش ولهذا السر اشتركا فى البشارة الالهية
{ { وبشرناه بغلام حليم } } { { وبشرناه باسحق } فكان اسماعيل واسحاق مختلفين فى الصورة والتشخيص متفقين فى المعنى والحقيقة فان شئت قلت ان الذبيح هو اسماعيل وان شئت قلت انه اسحاق فانت مصيب فى كل من القولين فى الحقيقة لما عرفت ان احدهما عين الآخر فى التحقق بسر ابراهيم عليه وعليهما السلام الى يوم القيام