خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
١٧

روح البيان في تفسير القرآن

{ اصبر } يا محمد { على ما يقولون } اى ما يقوله كفار قريش من المقالات الباطلة التى من جملتها قولهم فى تعجيل العذاب ربنا عجل لنا الخ فعن قريب سينزل الله نصرك ويعطيهم سؤلهم.
قال شاه الكرمانى الصبر ثلاثة اشياء ترك الشكوى وصدق الرضى وقبول القضاء بحلاوة القلب.
قال البقلى كان خاطر النبى عليه السلام ارق من ماء السماء بل الطف من نور العرش والكرسى من كثرة ما ورد عليه من نور الحق فلكمال جلاله فى المعرفة كان لا يحتمل مقالة المنكرين وسخرية المستهزئين لا انه لم يكن صابرا فى مقام العبودية { واذكر } من الذكر القلبى اى وتذكر { عبدنا } المخصوص بعنايتنا القديمة { داود } ابن ايشا من سبط يهودا بن يعقوب عليه السلام بينه وبين موسى عليه خمسمائة وتسع وستون سنة وقام بشريعة موسى وعاش مائة سنة { ذا الايد } يقال آد يئيد ايدا مثل باع يبيع بيعا اشتد وقوى. والايد القوة كما فى القاموس والقوة الشديدة كما فى المفردات اى ذا القوة فى الدين القائم بمشاقه وتكاليفه.
وفى الكواشى ويجوز ان يراد القوة فى الجسد والدين انتهى.
واعلم انه تعالى ذكر اولا قوة داود فى امر الدين ثم زلته بحسب القضاء الازلى ثم توبته بحسب العناية السابقة وامره عليه السلام بتذكر حاله وقوته فى باب الطاعة ليتقوى على الصبر ولا يزل عن مقام استقامته وتمكينه كما زل قدم داود فظهرت المناسبة بين المسندين واتضح وجه عطف واذكر على اصبر { انه اواب } من الاوب وهو الرجوع اى رجاع الى الله ومرضاته اى عن كل ما يكره الله الى ما يحب الله وهو تعليل لكونه ذا الايد ودليل على ان المراد به القوة فى امر الدين وما يتعلق بالعبادة لا قوة البدن لان كونه راجعا الى مرضاة الله لا يستلزم كونه قوى البدن وقد روى انه لم يكن جسيما كسائر الانبياء بل قصير القامة واكثر القوى البدنية كان فيمن زاده الله بسطة فى جسمه.
وفى التأويلات النجمية تشير الآية الى كماليته فى العبودية بانه لم يكن عبد الدنيا ولا عبد الآخرة وانما كان عبدنا خالصا مخلصا وله قوة فى العبودية ظاهرا وباطنا. فاما قوته ظاهرا فبانه قتل جالوت وكثيرا من جنوده بثلاثة احجار رماها عليهم. واما قوته فى الباطن فلانه كان اوابا وقد سرت اوابيته فى الجبال والطير فكانت تؤوب معه انتهى. ومن قوة عبادة داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك اشد الصوم وكان ينام النصف الاول من الليل ويقوم النصف الاخير منه مع سياسة الملك.
وفى بعض التفاسير كان ينام النصف الاول من الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وهو الموافق لما فى المشارق من قوله عليه السلام
"احب الصيام الى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما واحب الصلاة الى الله" اى فى النوافل "صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" وانما صار هذا النوع احب لان النفس اذا نامت الثلثين من الليل تكون اخف وانشط فى العبادة