خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ
١٨

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا سخرنا الجبال معه } بيان لفضله مع داود اى ذللناها ومع متعلق بالتسخير وايثارها على اللام لكون تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف فيها اليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام لكون سيرها معه بطريق التبعية له فتكون مع على حالها ويجوز ان تكون مع متعلقة بما بعدها وهو قوله { يسبحن } اى حال كونها تقدس الله تعالى مع داود لم يقل مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال.
قال فى كشف الاسرار كان داود يسمع ويفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به كرامة له ومعجزة انتهى.
واختلفوا فى كيفية التسبيح فقيل بصوت يتمثل له وهو بعيد وقيل بلسان الحال وهو ابعد وقيل بخلق الله فى جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ونطقا فحينئذ يسبح الله كما يسبح الاحياء العقلاء وهذا لسان اهل الظاهر واما عند اهل الحقيقة فسر الحياة سار فى جميع الموجودات حيوانا او نباتا او جمادا فالحياة فى الكل حقيقة لا عارضية او حالية او تمثيلية لكن انما يدركها كمل المكاشفين فتسبيح الجبال مع داود على حقيقته لكن لما كان على كيفية مخصوصة وسماعه على وجه غريب خارج عن العقول كان من معجزات داود عليه السلام وكراماته وقد سبق مرارا تحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه من الكلام { بالعشى } فى آخر النهار { والاشراق } فى اول النهار ووقت الاشراق هو حين تشرق الشمس اى تضيىء ويصفو شعاعها وهو قت الضحى واما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كنت امر بهذه الآية لا ادرى ما هى حتى حدثتنى ام هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم فتح مكة فدعا بوضوء فتوضأ وفى البخارى واغتسل فى بيتها ثم صلا الضحى ثمانى ركعات وقال
"يا ام هانى هذه صلاة الاشراق" ومن هنا قال بعضهم من دخل مكة واراد ان يصلى الضحى اول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه السلام يوم فتح مكة.
وقال بعضهم صلاة الضحى غير صلاة الاشراق كما دل عليه قوله عليه السلام
"من صلى الفجر بجماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كاجر حجة وعمرة تامة تامة" وهى صلاة الاشراق كما فى شرح المصابيح وقوله عليه السلام "صلاة الاوابين حين تدمض الفصال من الضحى" والمعنى أن صلاة الضحى تصلى اذا وجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء اى من الارض التى اشتد حرها من شدة وقع الشمس عليها فان الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره والفصيل الذى يفصل ويفطم عن الرضاع من الابل وخص الفصال هنا بالذكر لانها التى ترمض لرقة جلد رجلها.
وفيه اشارة الى مدحهم بصلاة الضحى فى الوقت الموصوف لان الحر اذا اشتد عند ارتفاع الشمس تميل النفوس الى الاستراحة فيرد على قلوب الاوابين المستأنسين بذكر الله تعالى ان ينقطعوا عن كل مطلوب سواه.
يقول الفقير يمكن التوفيق بين الروايتين بوجهين. الاول يحتمل ان يكون الاشراق من اشرق القول اذا دخلوا فى الشروق اى الطلوع فلا يدل على الضحى الذى هو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها. والثانى ان اول وقت صلاة الاشراق هو ان ترتفع الشمس قدر رمح وآخر وقتها هو اول وقت صلاة الضحى فصلاة الضحى فى الغداة بازاء صلاة العصر فى العشى فلا ينبغى ان تصلى حتى تبيض الشمس طالعة ويرتفع كدرها بالكلية وتشرق بنورها كما يصلى العصر اذا اصفرت الشمس فقوله عليه السلام
"هذه صلاة الاشراق" اما بمعنى انها اشراق بالنسبة الى آخر وقتها واما بمعنى انها ضحى باعتبار اول وقتها.
قال الشيخ عبد الرحمن البسطامى قدس سره فى ترويح القلوب يصلى اربع ركعات بنية صلاة الاشراق فقد وردت السنة يقرأ فى الركعة الاولى بعد الفاتحة سورة والشمس وضحاها وفى الثانية والليل اذا يغشى وفى الثالثة والضحى وفى الرابعة ألم نشرح لك ثم اذا حان وقت صلاة الضحى وهو اذا انتصف الوقت من صلاة الصبح إلى الظهر يصلى صلاة الضحى. واقل صلاة الضحى ركعتان او اربع ركعات او اكثر الى ثنتى عشرة ركعة ولم ينقل ازيد منها بثلاث تسليمات وان شئت بست تسليمات ورد فى فضلها اخبار كثيرة من صلاها ركعتين فقد ادى ما عليه من شكر الاعضاء لان الصلاة عمل بجميع الاعضاء التى فى البدن ومن صلاها ثنتى عشرة ركعة بنى له قصر من ذهب فى الجنة وللجنة باب يقال له الضحى فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا يدومون على صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوه برحمة الله عز وجل