خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ
٢٨

روح البيان في تفسير القرآن

{ ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ام منقطعة بمعنى بل والهمزة الانكارية اى بل أنجعل المؤمنين المصلحين فى الارض { كالمفسدين فى الارض } بالكفر والمعاصى اى لا نجعلهم سواء فلو بطل البعث والجزاء كما يظن الكفار لاستوت عند الله حال من اصلح ومن افسد ومن سوى بينهما كان سفيها والله تعالى منزه عن السفه فانما بالايمان والعمل الصالح يرفع المؤمنين الى اعلى عليين ويرد الكافرين الى اسفل سافلين { ام نجعل المتقين كالفجار } اى كما لا نجعل اهل الايمان والعمل الصالح الذين هم مظاهر صفات لطفنا وجمالنا كالمفسدين الذين هم مظاهر صفات قهرنا وجلالنا كذلك لا نجعل اهل التقوى كالفجار والفجر شق الشىء شقا واسعا والفجور شق سر الديانة. انكر التسوية اولا بين اهل الايمان والشرك ثم بين اهل التقوى والهوى يعنى من المؤمنين وهو المناسب لمقام التهديد والوعيد كى يخاف من الله تعالى كل صنف بحسب مرتبته ويجوز ان يكون تكرير الانكار الاول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم ـ وروى ـ ان كفار قريش قالوا للمؤمنين انا نعطى فى الآخرة من الخير ما تعطون بل اكثر فقال تعالى { ام نجعل } الخ وانما قالوا ذلك على تقدير وقوع الآخرة كما سبق من قوله تعالى { { وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين } وسيجىء فى قوله تعالى { { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } اى فى ثواب الآخرة.
واعلم ان الله تعالى سوى بين الفريقين فى التمتع بالحياة الدنيا بل الكفار اوفر حظا من المؤمنين لان الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة لكن الله جعل الدار الآخرة للذين لا يريدون علوا فى الارض ولا فسادا وهم المؤمنون المخلصون المنقادون لله ولامره وانما لم يجازهم فى هذه الدار لسعة رحمته وضيق هذه الدار فلذا اخر الجزاء الى الدار الآخرة فاذا ترقى الانسان من الهوى الى الهدى ومن الفجور الى التقوى اخذ الاجر بالكيل الاوفى.
ثم لما كان القرآن منبع جميع السعادات والخيرات وصفه اولا ثم بين المصلحة فيه فقال