خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ
٣٤

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد فتنا سليمن } الفتنة الاختبار والابتلاء { والقينا } الالقاء الطرح { على كرسيه } الكرسى اسم لما يقعد عليه والمراد سريره المشهور وقد سبق فى سورة سبأ { جسدا }.
قال فى المفردات الجسد الجسم لكنه اخص قال الخليل لا يقال الجسد لغير الانسان من خلق الارض ونحوه وايضا فان الجسد يقال لما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء.
وقال فى انوار المشارق الفرق بين الجسد والبدن ان الاول يعم لذى الروح وغيره ويتناول الرأس والشوى والثانى مخصوص بذى الروح ولا يتناولهما ومن هذا قد اشتهر فيما بينهم حشر الاجساد باضافة الحشر الخاص بذى الروح الى الاجساد العامة له ولغيره دون الابدان المخصوصة وذلك لان فى اضافته الى البدن باعتبار انه لا يتناول الرأس والشوى على ما نص عليه الزمخشرى فى الفائق والخليل فى كتاب العين قصورا مخلا بحكم الاعادة بعينه واما ما فى الجسد من العموم الزائد على قدر الحاجة فمندفع بقرينة اضافة الحشر انتهى كلام الانوار والمراد به فى الآية القالب بلا روح كما سيأتى { ثم اناب } اى سليمان عليه السلام. والانابة الرجوع الى الله تعالى ـ روى ـ ان سليمان كان له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية وكان فى ظهره ماء مائة رجل اى قوتهم وهكذا انبياء الله اعطى كل منهم من القوة الجماعية ما لم يعط احد من افراد امته وكذا الولى الاكمل فان له قوة زائدة على سائر الآحاد وان لم تبلغ مرتبة قوة النبى فقال سليمان عليه السلام يوما لاطوفن الليلة على سبعين امرأة اى اجامعهن او تسعين او تسع وتسعين او مائة تأتى كل واحدة بفارس يجاهد فى سبيل الله ولم يقل ان شاء الله فقال له صاحبه اى وزيره آصف قل ان شاء الله فلم يقل فطاف عليهن تلك الليلة فلم تحمل الا امرأة واحدة جاءت بشق ولد له عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فالقته القابلة على كرسيه وهو الجسد المذكور قال نبينا عليه السلام
"لو قال ان شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا اجمعون"
قال القاضى عياضرحمه الله وان سئل لم لم يقل سليمان فى تلك القصة المذكورة ان شاء الله فعنه اجوبة. اسدّها ما روى فى الحديث الصحيح انه نسى ان يقولها اى كلمة ان شاء الله وذلك لينفذ مراد الله. والثانى انه لم يسمع صاحبه وشغل عنه انتهى فمعنى ابتلائه قوله لاطوفن الخ وتركه الاستثناء ومعنى القاء الجسد على كرسيه القاء الشق المذكور عليه ومعنى انابته رجوعه الى الله تعالى عن زلته وهو تركه الاستثناء فى مثل ذلك الامر الخطير لان ترك الاولى زلة للانبياء اذ حسنات الابرار سيآت المقربين ألا ترى "ان نبينا عليه السلام لما سئل عن الروح وعن اصحاب الكهف وذى القرنين قالائتونى غدا اخبركم ولم يستثن فحبس عنه الوحى اياما ثم نزل قوله تعالى{ ولا تقولون لشىء انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله }" ـ وروى ـ ان سليمان عليه السلام ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله وذلك انهم كانوا يقدرون فى انفسهم انهم سيستريحون مما هم فيه من تسخير سليمان اياهم على التكاليف الشاقة والاعمال المستمرة الدائمة بموته فلما ولد له ابن قال بعضهم لبعض ان عاش له ولده لم ننفك عما نحن فيه من البلاء فسبيلنا ان نقتل ولده او نخبله والتخبيل افساد العقل والعضو فعلم سليمان بذلك فامر السحاب فحمله وكانت الريح تعطيه غذاءه وربى فيه خوفا من مضرة الشياطين فابتلاه الله لاجل خوفه هذا وعدم توكله فى امر ابنه على ربه العزيز بموت ابنه حيث مات فى السحاب والقى ميتا على كرسيه فهو المراد من الجسد الملقى على كرسيه.
قال فى شرح المقاصد فتنبه لخطأه فى ترك التوكل فاستغفر وتاب فهذا مما لا بأس به وغايته ترك الاولى اذ ليس فى التحفظ ومباشرة الاسباب ترك الامتثال لامر التوكل على ما قال عليه السلام
"اعقلها وتوكل" انتهى.
فان قلت كان الشياطين يصعدون الى السماء وقتئذ فما فائدة رفعه فى السحاب فى المنع عنهم قلت فائدته ان الشياطين التى خاف سليمان على ابنه منهم كانوا فى خدمته الدائمة فى الارض فكان فى الرفع الى السحاب رفعه عن ابصارهم وتغييبه عن عملهم وتسليمه الى محافظة الملائكة ولما القى ابنه الميت على كرسيه جزع سليمان عليه اذ لم يكن له الا ابن واحد فدخل عليه ملكان فقال احدهما ان هذا مشى فى زرعى فافسده فقال له سليمان لم مشيت فى زرعه قال لان هذا الرجل زرع فى طريق الناس فلم اجد مسلكا غير ذلك فقال سليمان للآخر لم زرعت على طريق الناس أما علمت ان الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه فقال لسليمان صدقت لم ولدت على طريق الموت أما علمت ان ممر الخلق على الموت ثم غابا عنه فاستغفر سليمان واناب الى الله تعالى: قال الشيخ سعدى قدس سره

مكن خانه در راه سيل اى غلام كه كس را نكشت اين عمارت تمام
نه از معرفت باشد وعقل ورأى كه در ره كند كاروانى سراى
ز هجران طفلى كه در خا رفت جه نالى كه باك آمد و باك رفت
تو باك آمدى بر حذر باش وباك كه ننكست نا باك رفتن بخاك
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف كه فرصت عزيزست والوقت سيف

قال الكاشفى [ومشهور آنست كه بواسطه ترك ازلى انكشتر مملكت سليمان بدست صخرجن افتاد وجهل روز برتخت سليمان نشست وباز آن خاتم بدست سليمان آمد بمملكت بازكشت] فيكون المعنى ولقد ابتليناه بسبب ملكه والقينا على كرسيه جسدا يعنى العفريت الذى اخذ خاتمه وجلس على كرسيه وهو صخر صاحب البحر على اشهر الاقاويل وسمى جسدا لانه تمثل بصورة سليمان ولم يكن هو فكان جسدا محضا وصورة بلا معنى ثم اناب اى رجع الى ملكه بعد اربعين يوما.
يقول الفقير ارشده الله القدير هذا وان كان مشهورا محررا خصوصا فى نظم بعض العرب والعجم لكنه مما ينكر جدا ولا يكاد يصح قطعا وذلك لوجوه. احدها انه ليس فى جلوس الجن على الكرسى معنى الالقاء الا ان يتكلف. والثانى ان جميع الانبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل ولان الانبياء عليهم السلام صور الاسم الهادى ومظاهر صفة الهداية والشيطان مظهر الاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان فلا يجتمعان ولا يظهر احدهما بصورة الآخر وقس على الانبياء احوال الكمل من الاولياء فانهم ورثتهم ومتحققون بمعارفهم وحقائقهم.
فان قيل عظمة الحق سبحانه اتم من عظمة كل عظيم فكيف امتنع على ابليس ان يظهر بصورة الانبياء مع ان اللعين قد ترأى لكثيرين وخاطبهم بانه الحق طلبا لاضلالهم وقد اضل جماعة بمثل هذا حتى ظنوا انهم رأوا الحق وسمعوا خطابه قلنا ان كل عاقل يعلم ان الحق ليست له صورة معينة معلومة توجب الاشتباه ولذا جوز بعض العلماء رؤية الله فى المنام فى أى صورة كانت لان ذلك المرئى غير ذات الله اذ ليس لها صورة واما الانبياء فانهم ذووا صور معينة معلومة مشهودة توجب الاشتباه. والثالث انه كيف يصح من الحكيم ان يجلس شيطانا من الشياطين على كرسى نبى من الانبياء ويسلطه على المسلمين ويحكمه عليهم مع انه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا

كس نيايد بزير سايه بوم ورهماى ازجهان شود معدوم

. والرابع ان الخاتم كان نورانيا فكيف صح ان يستقر فى يد الشيطان الظلمانى بطريق تقلد الحكومة وقد ثبت ان الشيطان يحرقه النور مطلقا ولذا جعل الشهاب رجما للشياطين. والخامس انه كان ملك سليمان فى الخاتم فكيف يصح ان يجلس الجنى على كرسيه على تقدير قذف الخاتم فى البحر على ما قالوا.
قال فى كشف الاسرار [ملك سليمان در خاتم وى بود ونكين آن خاتم كبريت احمر بود] انتهى.
وفى عقد الدرر انه كان خاتم آدم عليه السلام قبل خروجه من الجنة البسه الحق اياه ثم اودع فى ركن من اركان العرش وكان مكتوب عليه فى السطر الاول "بسم الله الرحمن الرحيم" وفى الثانى "لا اله الا الله" وفى الثالث "محمد رسول الله" فلما انزله جبريل الى سليمان اضطرب العالم من مهابته ولما وضعه فى اصبعه غاب عن اعين الناس فقالوا يا نبى الله نريد ان نتشرف بمشاهدة جمالك فقال اذكروا الله فلما ذكروه رأوه فالتأثير من الله وبسليمان المظهرية والخاتم واسطة فى الحقيقة. وانما وضع ملكه فى فص خاتم لانه تعالى اراه فى ذلك ان ما اعطيت فى جنب ما لم تعط قدر هذا الحجر من بين سائر الاحجار اذ كان ملك الدنيا عند الله تعالى كقدر حجر من الاحجار والله يعز من يشاء بما يشاء