خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ
٤١

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذكر عبدنا ايوب } ابن آموص بن رازح بن روم بن عيص بن اسحق ابن ابراهيم عليه السلام وامه من اولاد لوط بن هاران وزوجته رحمة بنت افراييم بن يوسف عليه السلام اوليا بنت يعقوب عليه السلام ولذا قال فى كشف الاسرار كان ايوب فى زمان يعقوب اوما خير بنت ميشا بن يوسف والاول اشهر الاقاويل.
قال القرطبى لم يؤمن بايوب الا ثلاثة نفر وعمره ثلاث وتسعون وقوله ايوب عطف بيان للعبد { اذ نادى ربه } بدل من عبدنا اى دعا وتضرع بلسان الاضطرار والافتقار { انى } اى بانى { مسنى الشيطان } اصابنى وبالفارسية [ديو بمن رسيد] فتكون الباء فى قوله { بنصب } للتعدية اى تعب ومشقة وكذا النصب بفتحتين { وعذاب } العذاب الايجاع الشديد اى ألم ووصب يريد مرضه وما كان يقاسيه من فنون الشدائد وهو المراد بالضر فى قوله فى سورة الانبياء
{ { أنى مسنى الضر } وهو حكاية لكلامه الذى ناداه به بعبارته والا لقيل انه مسه الخ وليس هذا تمام دعائه عليه السلام بل من جملته قوله { { وانت ارحم الراحمين } فاكتفى ههنا عن ذكره بما فى سورة الانبياء كما ترك هناك ذكر الشيطان ثقة بما ذكر ههنا.
فان قلت لا قدرة للشيطان البتة على ايقاع الناس فى الامراض والاسقام لانه لو قدر على ذلك لسعى فى قتل الانبياء والاولياء والعلماء والصالحين فهو لا يقدر ان يضر احدا الا بطريق القاء الوساوس والخواطر الفاسدة فما معنى اسناد المس اليه قلت ان الذى اصابه لم يصبه الا من الله تعالى الا انه اسنده الى الشيطان لسؤال الشيطان منه تعالى ان يمسه الله تعالى بذلك الضر امتحانا لصبره ففى اسناده اليه دون الله تعالى مراعاة للادب ـ روى ـ ان ايوب عليه السلام كان له اموال كثيرة من صنوف مختلفة وهو مع ذلك كان مواظبا على طاعة الله محسنا للفقراء واليتامى وارباب الحاجات فحسده ابليس لذلك وقال انه يذهب بالدنيا والآخرة فقال الهى عبدك ايوب قد انعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتليته بنزع النعمة والعافية لتغير عن حاله فقال تعالى انى اعلم منه ان يعبدنى ويحمدنى على كل حال فقال ابليس يا رب سلطنى عليه وعلى اولاده وامواله فسلطه على ذلك فاحرق زرعه واسقط الابنية على اولاده فلم يزدد ايوب الا حمدا لربه ثم نفخ فى جسده نفخة خرجت بها فيه النفاخات ثم تقطرت بالدم الاسود واكله الدود سبع سنين وهو على حاله فى مقام الصبر والرضى والتسليم فكان بلاؤه امتحانا من غير ان يكون منه ذنب يعاقب عليه ليبرز الله ما فى ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه كما ذكره الحكيم الترمذى فى نوادر الاصول. وعلى هذا القول اعتماد الفحول فدع ما عداه فانه غير مقبول.
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { واذكر } الخ الى معانى مختلفة.
منها ان من شرط عبودية خواص عباده من الانبياء والاولياء الصبر عند نزول البلاء والرضى بجريان احكام القضاء.
ومنها ليعلم ان الله تعالى لو سلط الشيطان على بعض من اوليائه وانبيائه لا يكون لاهانتهم بل يكون لعزتهم واعانتهم على البلوغ على رتبة نعم العبدية ودرجة الصابرين المحبوبين.
ومنها ان العباد من الانبياء والاولياء لو لم يكونوا فى كنف عصمة الله وحفظه لمستهم الشياطين بنصب وعذاب.
ومنها ان من آداب العبودية اجلال الربوبية واعظامها عن احالة الضر والبلاء والمحن عليها لا على الشيطان كما قال يوسف عليه السلام
{ { وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى } وقال يوشع عليه السلام { { وما انسانيه الا الشيطان } وقال موسى عليه السلام { { هذا من عمل الشيطان
} ومنها ليعلم انه ما بلغ مقام الرجال البالغين الا بالصبر على البلوى وتفويض الامور الى المولى والرضى بما يجرى عليه من القضاء انتهى