خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
٧٦

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } ابليس ابداء للمانع.
قال الكاشفى [ابليس شق ثانى اختيار كرده كفت] { انا خير منه } اى افضل من آدم: وفى المثنوى

علتى بدتر زبندار كمال نيست اندر جان تو اى ذو دلال
علت ابليس انا خيرى بدست وين مرض درنفس هر مخلوق هست
كرجه خودرا بس شكسته بيند او آب صافى دان وسركين زير جو
جون بشوراند ترا در امتحان آب سر كين رنك كرد در زمان

ثم بين وجه الخيرية بقوله { خلقتنى من نار } [بيافريدى مرا از آتش واورا لطافت ونورانيت است] نسب خلقه الى النار باعتبار الجزء الغالب اذ الشيطان مخلوق من نار وهواء مع انا نقول ان الله تعالى قادر على ان يخلقه من نار فقط من غير اختلاط شىء آخر معها من سائر العناصر ولا يستحيله الا فلسفى او متفلسف { وخلقته من طين } [وبيافريدى ازكل كه دركثافت وظلمانيت است] نسب خلقه الى الطين باعتبار الجزء الغالب ايضا اذ آدم مخلوق من العناصر الاربعة. والمعنى لو كان آدم مخلوقا من نار لما سجدت له لانه مثلى فكيف اسجد لمن هو دونى لانه من طين والنار تغلب الطين وتأكله فلا يحسن ان يسجد الفاضل للمفضول فكيف يحسن ان يؤمر ظن ان ذلك شرف له ولم يعلم ان الشرف يكتسب بطاعة الله تعالى ولقد اخطأ اللعين حيث خص الفضل بما من جهة المادة والعنصر وزل عما من جهة الفاعل كما انبأ عنه قوله تعالى { { لما خلقت بيدى } وما من جهة الصورة كما نبه عليه قوله تعالى { { ونفخت فيه من روحى } واما من جهة الغاية وهو ملاك الامر كما قال تعالى { { وعلم آدم الاسماء } ولذلك امر الملائكة بسجوده حين ظهر لهم انه اعلم منهم بما يدور عليه امر الخلافة فى الارض وان له خواص ليست لغيره وفى تفسير سورة ص يعنى ان النار اقرب الى الاشرف الذى هو الفلك وهى خليفة الشمس والقمر فى الاضاءة والحرارة وهى ألطف من الارض وهى مشرقة وهى شبيه الروح واشرف الاعضاء القلب والروح وهما على طبيعة النار وكل جسم اشبه بالنار كالذهب والياقوت فهو اشرف والشمس اشرف الاجسام وهى تشبه النار فى الطبع والصورة وايضا لم يتم المزاج الا بالحرارة ومآل كل هذه الى ان اصله خير فهو خير وهذا ممنوع ولذا قال من قال

أتفخر باتصالك من علىّ واصل البولة الماء القراع
وليس بنافع نسب زكى تدنسه صنائعك القباح

فيجوز ان يكون اصل احد الشيئين افضل وينضم اليه ما يقتضى مرجوحيته كما فى ابليس فانه قد انضم الى اصله عوارض رديئة كالكبر والحسد والعجب والعصيان فاقتضت اللعنة عليه. وامر آدم عليه السلام بالعكس.
وقال فى آكام المرجان اعلم ان هذه الشبهة التى ذكرها ابليس انما ذكرها على سبيل التعنت والا فامتناعه عن السجود لآدم انما كان عن كبر وكفر ومجرد اباء وحسد ومع ذلك فما ابداه من الشبهة فهو داحض اى باطل لانه رتب على ذلك انه خير من آدم لكونه خلق من نار وآدم خلق من طين ورتب على هذا انه لا يحسن منه الخضوع لمن هو دونه وهذا باطل من وجوه.
الاول ان النار طبعها الفساد واتلاف ما تعلقت به بخلاف التراب فانه اذا وضع القوت فيه اخرجه اضعاف ما وضع فيه بخلاف النار فانها آكلة لا تبقى ولا تذر.
والثانى ان النار طبعها الخفة والطيش والحدة والتراب طبعه الرزانة والسكون والثبات.
والثالث ان التراب يتكون فيه ومنه ارزاق الحيوانات واقواتهم ولباس العباد وزينهم وآلات معايشهم ومساكنهم والنار لا يتكون فيها شىء من ذلك.
والرابع ان التراب ضرورى للحيوان لا يستغنى عنه البتة ولا عما يتكون فيه ومنه والنار يستغنى عنها الحيوان مطلقا وقد يستغنى عنها الانسان اياما وشهورا فلا تدعوه اليها ضرورة.
والخامس ان النار لا تقوم بنفسها بل هى مفتقرة الى محل تقوم به يكون حاملا لها والتراب لا يفتقر الى حامل فالتراب اكمل منها لغناه وافتقارها.
والسادس ان النار مفتقرة الى التراب وليس بالتراب فقر اليها فان المحل الذى تقوم به النار لا يكون الا متكونا من التراب او فيه فهى المفتقرة الى التراب وهو الغنى عنها.
والسابع ان المادة الابليسية هى المارج من النار وهو ضعيف تتلاعب به الاهوية فيميل معها كيفما مالت ولهذا غلب الهوى على المخلوق منه فاسره وقهره ولما كانت المادة الآدمية هى التراب وهو قوى لا يذهب مع الهواء اينما ذهب فهو قهر هواه واسره ورجع الى ربه فاجتباه فكان الهواء الذى مع المادة الآدمية عارضا سريع الزوال فزال فكان الثبات والرزانة اصلا له فعاد اليه وكان ابليس بالعكس من ذلك فعاد كل منهما الى اصله وعنصره آدم الى اصله الطيب الشريف واللعين الى اصله الرديىء الخبيث.
والثامن ان النار وان حصل بها بعض المنفعة من الطبخ والتسخين والاستضاءة بها فالشر كامن فيها لا يصدها عنه الا قسرها وحبسها ولولا القاسر والحابس لها لافسدت الحرث والنسل واما التراب فالخير والبركة كامن فيه كلما اثير وقلب ظهر خيره وبركته وثمرته فاين احدهما من الآخر.
والتاسع ان الله تعالى اكثر ذكر الارض فى كتابه واخبر عن منافعها وانه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا للاحياء والاموات ودعا عباده الى التفكر فيها والنظر فى آياتها وعجائبها وما اودع فيها ولم يذكر النار الا فى معرض العقوبة والتخويف والعذاب الا موضعا او موضعين ذكرها فيه بانها تذكرة ومتاع للمقوين تذكرة بنار الآخرة ومتاع لبعض افراد الناس وهم المقوون النازلون بالقواء وهى الارض الخالية اذا نزلها المسافر تمتع بالنار فى منزله فاين هذا من اوصاف الارض فى القرآن.
والعاشر ان الله تعالى وصف الارض بالبركة فى غير موضع من كتابه وذلك عموما كما فى قوله تعالى
{ وبارك فيها } وخصوصا كما فى قوله { { ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا فيها } الآية ونحوها واما النار فلم يخبر انه جعل فيها بركة بل المشهور انها مذهبة للبركات فاين المبارك فى نفسه من المزيل لها.
والحادى عشر ان الله تعالى جعل الارض محل بيوته التى يذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال عموما وبيته الحرام الذى جعله قياما للناس مباركا وهدى للعالمين خصوصا فلو لم يكن فى الارض الا بيته الحرام لكفاها ذلك شرفا وفخرا على النار.
والثانى عشر ان الله تعالى اودع فى الارض من المعادن والانهار والعيون والثمرات والحبوب والاقوات واصناف الحيوانات وامتعتها والجبال والرياض والمراكب البهية والصور البهيجة ما لم يودع فى النار شيئا من ذلك فأى روضة وجدت فى النار او جنة او معدن او صورة او عين فوّارة او نهر او ثمرة لذيذة.
والثالث عشر ان غاية النار انها وضعت خادمة فى الارض فالنار انما محلها محل الخادم لهذه الاشياء فهى تابعة لها خادمة فقط اذا استغنت عنها طردتها وابعدتها عن قربها واذا احتاجت اليها استدعتها استدعاء المخدوم لخادمه.
والرابع عشر ان اللعين لقصور نظره وضعف بصره رأى صورة الطين ترابا ممتزجا بماء فاحتقره ولم يعلم انه مركب من اصلين الماء الذى جعل الله منه كل شىء حى والتراب الذى جعله خزانة المنافع والنعم هذا ولم يتجاوز من الطين الى المنافع وانواع الامتعة فلو تجاوز نظره صورة الطين الى مادته ونهايته لرأى انه خير من النار وافضل ثم لو سلم بطريق الفرض الباطل ان النار خير من الطين لم يلزم من ذلك ان يكون المخلوق منها خيرا من المخلوق من الطين فان القادر على كل شىء يخلق من المادة المفضولة من هو خير من المادة الفاضلة فان الاعتبار بكمال النهاية لا بنقصان المادة فاللعين لم يتجاوز نظره محل المادة ولم يعبر منها الى كمال الصورة ونهاية الخلقة { ودركشف الاسرار فرموده كه آتش سبب فرقتست وخاك وسيله وصلت واز آتش كسستن آيد واز خاك بيوستن آدم كه از خاك بود ببيوست تاخلقه
{ { ثم اجتباه ربه } يافت ابليس كه از آتش بودبكسست تافرمان { { فاهبط منها } مردود كشت روزى شوريده باسلطان العارفين ابو يزيد كفت جه بودى اكر اين خاك بىاك نبودى ابو يزيد بانك بروزدكه اكر اين خاك نبودى آتش عشق افروخته نشدى وسوز سينها وآب ديدها ظاهر نكشتىكه اكر خاك نبودى بوى مهرازل كه شنودى وآشناى قرب لم يزل كه بودى]

اى خاك جه خوش طينت قابل دارى كلهاى لطيفست كه در كل دارى
در مخزن كنت كنز هركنج كه بودى تسليم توكردندكه در دل دارى

ثم فى الآية اشارة الى ان اهل الدعوى والانكار لا يدركون فضائل الانبياء والاولياء الى ابد الآباد ولا يرون انوار الجمال والجلال عليهم فلا يذوقون حلاوة برد الوصال بل يخاطبون من جانب رب العزة بالطرد والابعاد الى يوم المعاد

مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز دست غيب آمد وبرسينه نامحرم زد