خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
١٠
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل يا عبادى الذين آمنوا } اى قل لهم قولى هذا بعينه وفيه تشريف لهم باضافتهم الى ضمير الجلالة فان اصله يا عبادى بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة.
وفى كشف الاسرار [اين خطاب باقومى است كه مراد نفسه خويش بموافقت حق بدادند ورضاى الله برهواى نفس بركزيدند تاصفت عبوديت ايشان درست كشت ورب العالمين رقم اضافت بر ايشان كشيدكه { يا عبادى } ومصطفى عليه السلام كفت (من مقت نفسه فى ذات الله آمنه الله من عذاب يوم القيامة) وابو يزيد بسطامى قدس سره ميكويد اكر فرادى قيامت مراكويندكه آرزويى كن آرزوى من آنست بدوزخ اندر آيم واين نفس برآتش عرض كنم كه دردنيا ازوبسيار بيجيدم ورنج وى كشيدم] انتهى.
وايضا ان اخص الخواص هم العباد الذين خلصوا من عبودية الغير من الدنيا والآخرة لكونهما مخلوقتين وآمنوا بالله الخالق ايمان الطلب شوقا ومحبة { اتقوا ربكم } اى اثبتوا على تقوى ربكم لان بالايمان حصول التقوى عن الكفر والشرك او اتقوا عذابه وغضبه باكتساب طاعته واجتناب معصيته او اتقوا به عما سواه حتى تتخلصوا من نار القطيعة وتفوزوا بوصاله ونعيم جماله { للذين احسنوا فى هذه الدنيا } اى عملوا الاعمال الحسنة فى هذه الدنيا على وجه الاخلاص ورأسها كلمة الشهادة فانها احسن الحسنات { حسنة } مبتدأ وخبره للذين وفى هذه الدنيا متعلق باحسنوا.
وفيه اشارة الى قوله
"الدنيا مزرعة الآخرة" اى حسنة ومثوبة عظيمة فى الآخرة لا يعرف كنهها وهى الجنة والشهود لان جزاء الاحسان الاحسان والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فالمحسن هو المشاهد وبمشاهدة الله يغيب ما سوى الله فلا يبقى الا هو وذلك حقيقة الاخلاص واما غير المحسن فعلى خطر لبقائه مع ما سوى الله تعالى فلا يأمن من الشرك والرياء القبيح ومن كان عمله قبيحا لم يكن جزاؤه حسنا.
وفى التأويلات النجمية { للذين احسنوا } فى طلبى { في هذه الدنيا } ولا يطلبون منى غيرى حسنة اى لهم حسنة وجدانى يعنى حسن الوجدان مودع فى حسن الطلب: قال الخجندى

بكوش تابكفت آرى كليد كنج وجود كه بى طلب نتوان يافت كوهر مقصود
توجاكر در سلطان عشق شو جواياز كه هست عاقبت كار عاشقان محمود

{ وارض الله واسعة } فمن تعسر عليه التوفر على التقوى والاحسان فى وطنه فليهاجر الى حيث يتمكن فيه من ذلك كما هو سنة الانبياء والصالحين فانه لا عذر له فى التفريط اصلا.
وفيه حث على الهجرة من البلد الذى يظهر فيه المعاصى وقد ورد
"ان من فر بدينه من ارض الى ارض وجبت له الجنة" وانما قال بدينه احترازا عن الفرار بسبب الدنيا ولاجلها خصوصا اذا كان المهاجر اليه اعصى من المهاجر منه.
وفى التأويلات النجمية يشير الى حضرة جلاله انه لا نهاية لها فلا يغتر طالب بما يفتح عليه من ابواب المشاهدات والمكاشفات فيظن انه قد بلغ المقصد الاعلى والمحل الاقصى فانه لا نهاية لمقامات القرب ولا غاية لمراتب الوصول: وفى المثنوى

اى برادر بى نهايت دركهيست هر كجاكه ميرسى بالله مأيست

{ انما يوفى الصابرون } الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للاذى وحافظوا على حدوده ولم يفرطوا فى مراعاة حقوقه لما اعتراهم فى ذلك من فنون الآلام والبلايا التى من جملتها مهاجرة الاهل ومفارقة الاوطان [والتوفية: تمام بدادن].
قال فى المفردات توفية الشىء بذله وافيا كاملا واستيفاؤه تناوله وافيا. والمعنى يعطون { اجرهم } بمقابلة ما كابدوا من الصبر { بغير حساب } اى بحيث لا يحصى ويحصر وفى الحديث
"انه تنصب الموازين يوم القيامة لاهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها اجورهم ولا تنصب لاهل البلاء بل يصب عليهم الاجر صبا حتى يتمنى اهل المعافاة فى الدنيا ان اجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل"

تو مبين رنجورى غمديدكان كاندران رنجيده ازبكزيد كان
هركرا از زخمها غم بيشتر لطف يارش داده مرهم بيشتر

قال سفيان لما نزل { { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } قال عليه السلام "رب زد لامتى فنزل { مثل الذين ينفقون اموالهم فى سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل فى كل سنبة مائة حبة } فقال عليه السلام رب زد لامتى فنزل { من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة } فقال رب زد لأمتي فنزل { انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب } فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم" . "وسئل النبى عليه السلام أى الناس اشد بلاء قال الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان فى دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان فى دينه ذا رقة هون عليه فما زال كذلك حتى يمشى على الارض كمن ليس له ذنب" وقال صلى الله عليه وسلم "ان العبد اذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله فى جسده او فى ماله او فى ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التى سبقت له من الله" وان عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله عز وجل اذا احب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط.
وفى عرائس البقلى وصف الله القوم باربع خصال بالايمان والتقوى والاحسان والصبر فاما ايمانهم فهو المعرفة بذاته وصفاته من غير استدلال بالحدثان بل عرفوا الله بالله واما تقواهم فتجريدهم انفسهم عن الكون حتى قاموا بلا احتجاب عنه واما احسانهم فادراكهم رؤيته تعالى بقلوبهم وارواحهم بنعت كشف جماله واما صبرهم فاستقامتهم فى مواظبة الاحوال وكتمان الكشف الكلى.
وحقيقة الصبر ان لا يدعى الديمومية بعد الاتصاف بها ومعنى { ارض الله واسعة } ارض القلوب ووسعها بوسع الحق فاذا كان العارف بهذه الاوصاف فله اجران اجر الدنيا وهو المواجيد والواردات الغريبة واجر الآخرة وهو غوصه فى بحار الآزال والآباد والفناء فى الذات والبقاء فى الصفات.
قال الحارث المحاسبى الصبر التهدّف لسهام البلاء.
وقال طاهر المقدسى الصبر على وجوه صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه اهونه الصبر على اوامر الله وهو الذى بين الله ثوابه فقال { انما يوفى الصابرون } الخ.
وقال يوسف بن الحسين ليس بصابر من يتجرع المصيبة ويبدى فيها الكراهة بل الصابر من يتلذذ بصبره حتى يبلغ به الى مقام الرضى