خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٩
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } المراد بضرب المثل هنا تطبيق حالة عجيبة باخرى مثلها كما مر فى اوائل سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله الاول اخر عن الثانى للتشويق اليه وليتصل به ما هو من تتمته التى هى العمدة فى التمثيل وفيه خبر مقدم لقوله شركاء والجملة فى حيز النصب على الوصفية لرجلا [والتشاكس: بايكديكر بدخويى كردن].
قال فى المفردات الشكس السيىء الخلق ومتشاكسون متشاجرون بشكاسة خلقهم.
وفى القاموس وكندس الصعب الخلق وككتف البخيل ومتشاكسون مختلفون عسرون وتشاكسوا تخالفوا. والمعنى جعل الله تعالى للمشرك مثلا حسبما يقود اليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهماتهم المتباينة فى تحسره وتوزع قلبه { ورجلا } اى وجعل للموحد مثلا { سلما } خالصا { لرجل } فرد ليس لغيره عليه سبيل اصلا فالتنكير فى كل منهما للافراد اى فردا من الاشخاص لفرد من الاشخاص. والسلم بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا اى خلص نعت به مبالغة كقولك رجل عدل او حذف منه ذو بمعنى ذا سلامة لرجل اى ذا خلوص له من الشرك. والرجل ذكر من بنى آدم جاوز حد الصغر وتخصيص الرجل لانه انطق لما يجرى عليه من الضر والنفع لان المرأة والصبى قد يغفلان عن ذلك { هل } استفهام انكار { يستويان } [آيا مساوى باشد اين دو بنده] { مثلا } من جهة الصفة والحال نصب على التمييز والوحدة حيث لم يقل مثلين لبيان الجنس وارادته فيعم اى هل يستوى حالهما وصفاتهما يعنى لا يستويان. والحاصل ان الكافر كالعبد الاول فى كونه حيران متفرق البال لانه يعبد آلهة مختلفة اى اصناما لا يجيىء منها خير بل تكون سببا لوقوعه فى اسفل سافلين كما ان العبد يخدم ملاكا متعاسرين مختلفى الاهوية لا يصل اليه منهم منفعة اصلا والمؤمن كالعبد الثانى فى انضباط احواله واجتماع باله حيث يعبد ربا واحدا يوصله الى اعلى عليين كما ان العبد يخدم سيدا واحدا يرضى عنه ويصل اليه بالعطاء الجزيل

يك يار بسنده كن جويك دل دارى

{ الحمد لله } حيث خصمهم كما قال مقاتل اى قطعهم بالخصومة وغلبهم واظهر الحجة عليهم ببيان عدم الاستواء بطريق ضرب المثل { بل اكثرهم لا يعلمون } اضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور الى بيان ان اكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون فى ورطة الشرك والضلال من فرط جهلهم.
وفى الآية اشارة الى بيان عدم الاستواء بين الذى يتجاذبه شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الاشياء المختلفة والخواطر المتفرقة وبين الذى هو خالص لله ليس للخلق فيه نصيب ولا للدنيا نسيب وهو من الآخرة غريب والى الله قريب منيب.
والحاصل ان الراغب فى الدنيا شغلته امور مختلفة فلا يتفرغ لعبادة ربه واذا كان فى العبادة يكون قلبه مشغولا بالدنيا. والزاهد قد تفرغ من جميع اشغال الدنيا فهو يعبد ربه خوفا وطمعا. والعارف قد تفرغ من الكونين فهو يعبد ربه شوقا الى لقائه فلا استواء بين البطالين والطالبين وبين المنقطعين والواصلين الحمد لله يعنى الثناء له وهو مستحق لصفات الجلال بل اكثرهم لا يعلمون كمال جماله ولا يطلعون على حسن استعدادهم بمرآتية صفات جماله وجلاله والا لعطلوا الامور الدنيوية باسرها وخربت الدنيا التى هى مزرعة الآخرة: وفى المثنوى

استن اين عالم اىجان غفلتست هو شيارى اين جهانرا آفتست
هوشيارى زان جهانست وجوان غالب آيد بست كردد اين جهان
هوشيارى آفتاب وحرص يخ هوشيارى آب واين عالم وسخ
زان جهان اندك ترشح مىرسد تانلغزد درجهان حرص وحسد
كر ترشح بيشتر كردد زغيب نىهنر ماند درين عالم نه عيب

فعلى العاقل الرجوع الى الله والعمل بما فى القرآن والاعتبار بامثاله حتى يكون من الذين يعلمون حقيقة الحال: وفى المثنوى

هست قرآن حالهاى انبيا ماهيان بحر باك كبريا
ور بخوانى ونه قرآن بذير انبيا واوليارا ديده كير
وربذيرايى جو بر خوانى قصص مرغ جانت تنك آيد درقفص
مرغ كواندر قفص زندانيست مى نجويد رستن ازنادانيست
روحهايى كز قفصها رسته اند انبياى رهبر شايسته اند

كان الحسن والحسين رضى الله عنهما يلعبان بين يدى النبى فاعجب بهما فاتاه جبرائيل عليه السلام بقارورة وكاغدة وفى القارورة الدم وفى الكاغدة السم فقال أتحبهما يا محمد فاعلم ان احدهما يقتل بالسيف فهذا دمه والآخر يسقى السم وهذا سمه فقطع القلب عن الاولاد وعلق قلبه بالله تعالى من قال الله ولم يفر من غير الله الى الله لم يقل الله دع روحك وقلبك ثم قل الله كما قال الله تعالى لحبيبه عليه السلام { { قل الله ثم ذرهم } اى ذرهم ثم قل الله نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من المنقطعين اليه والحاضرين لديه انه هو المسئول