خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
٣١
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم انكم } اى انك واياهم على تغليب ضمير المخاطب على ضمير الغائب واكد بالنون وان كان الاختصام مما لا ينكر لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ فى انكار الاختصام لانهماكهم فى الغفلة عنه { يوم القيمة عند ربكم } اى مالك امركم { تختصمون } فتحتج انت عليهم بانك بلغتهم ما ارسلت به من الاحكام والمواعظ واجتهدت فى الدعوة الى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا فى المكابرة والعناد ويعتذرون بما لا طائل تحته مثل اطعنا سادتنا وكبراءنا وجدنا آباءنا.
وفى بحر العلوم الوجه الوجيه ان يراد الاختصام العام وان يخاصم الناس بعضهم بعضا مؤمنا او كافرا فيما جرى بينهم فى الدنيا بدلائل. منها قول النبى عليه السلام
"اول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها تشهدان ورجلاها عليها بما كانت تعيب لزوجها وتشهد عليه يداه ورجلاه بما كان يؤذيها" . ومنها قوله عليه السلام "انا خصم عثمان بن عفان بن يدى الرب تعالى"
وعن ابراهيم النخعى قالت الصحابة رضى الله عنهم ما خصومتنا ونحن اخوان فلما قتل عثمان رضى الله عنه قالوا هذه خصومتنا.
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا. ومنها قوله عليه السلام
"من كان عنده مظلمة لاخيه من عرض او شىء فليتحلله اليوم من قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات اخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه"
قال ابن الملك يحتمل ان يكون المأخوذ نفس الاعمال بان تتجسد فنصير كالجواهر وان يكون ما اعدلها من النعم والنقم اطلاقا للسبب على المسبب.
وعن الزبير بن العوّام رضى الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثم انكم } الخ قلت اى رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب اى الذنوب المخصوصة بنا سوى المخاصمات قال
"نعم ليكربن عليكم حتى تؤدوا الى كل ذى حق حقه" قال الزبير ان الامر اذا لشديد وفى الحديث "لا تزال الخصومة بين الناس حتى تخاصم الروح الجسد فيقول الجسد انما كنت بمنزلة جذع ملقى لا استطيع شيئا ويقول الروح انما كنت ريحا لا استطيع ان اعمل شيئا فضرب لهما مثل الاعمى والمقعد يحمل الاعمى المقعد فيدله المقعد ببصره ويحمله الأعمى برجليه" وفى الحديث "أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال ان المفلس من امتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وكان قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا فيقضى هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار"
فان قيل قال فى آية اخرى { { لا تختصموا لدىّ } قيل ان فى يوم القيامة ساعات كثيرة واحوالها مختلفة مرة يختصمون ومرة لا يختصمون كما انه قال { { فهم لا يتساءلون } وقال فى آية اخرى { { واقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعنى فى حال لا يتساءلون وفى حال يتساءلون وكما انه قال { { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان } وفى موضع آخر { { فوربك لنسألنهم اجمعين } ونحو هذا كثير فى القرآن.
قال بعض الكبار يوم القيامة يوم عظيم شديد يتجلى الحق فيه اولا بصفة القهر بحيث يسكت الانبياء والاولياء ثم يتجلى باللطف فيحصل لهم انبساط فعند ذلك يشفعون.
قال فى التأويلات النجمية { ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } اى تراجعون الحق تعالى بشفاعة اقربائكم واهاليكم واصدقائكم بعد فراغكم من خويصة انفسكم نسأل الله سبحانه وتعالى العناية