خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ
٤١
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا انزلنا عليك الكتاب } اى القرآن { للناس } اى لاجلهم فانه مناط لمصالحهم فى المعاش والمعاد وقد سبق الفرق بين اليك وعليك فى اول السورة { بالحق } حال من فاعل انزلنا حال كوننا محقين فى انزاله او من مفعوله كون ذلك الكتاب ملتبسا بالحق والصدق اى كل ما فيه حق وصواب لا ريب فيه موجب للعمل به حتما { فمن اهتدى } بان عمل بما فيه { فلنفسه } اى انما نفع به نفسه { ومن ضل } بان لم يعمل بموجبه { فانما يضل عليها } لما ان وبال ضلاله مقصور عليها { وما انت عليهم بوكيل } الوكيل القائم على الامر حتى يكمله اى وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك الا البلاغ وقد بلغت أى بلاغ.
وفى الآية اشارة الى ان القرآن مذكر جوار الحق للناس الذين نسوا الله وجواره فمن تذكر بتذكيره واتعظ بوعظه واهتدى بهدايته كانت فوائد الهداية راجعة الى نفسه بان تنورت بنور الهداية فانمحى عنها آثار ظلمات صفاتها الحيوانية السبعية الشيطانية الموجبة لدخول النار { ومن ضل فانما يضل عليها } فانه يوكله الى نفسه وطبيعته فتغلب عليه الصفات الذميمة فيكون حطب النار { وما انت } يا محمد { عليهم بوكيل } تحفظهم من النار اذا كان فى استعدادهم الوقوع فيها.
وفى الحديث
"انما مثلى ومثل امتى كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها وانا آخذ بحجزكم تقحمون فيه" والحجز جمع الحجزة كالكدرة وهى معقد الازار خصه بالذكر لان اخذ الوسط اقوى فى المنع واصل تقحمون بالتشديد تتقحمون وفيه اى فى النار على تأويل المذكور يعنى انا آخذكم حتى ابعدكم عن النار وانتم تدخلون فيها بشدة. ومعنى التمثيل ان النبى عليه السلام فى منعهم عن المعاصى والشهوات المؤدية الى النار وكونهم متقحمين متكلفين فى وقوعها مشبه بشخص مشفق يمنع الدواب عنها وهن يغلبنه.
وفى الحديث اخبار عن فرط شفقته على امته وحفظهم من العذاب ولا شك فيه لان الامم فى حجر الانبياء كالصبيان الاغبياء فى اكناف الآباء صلوات الله عليهم وسلامه.
وفى الحديث
"ان مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث اصاب ارضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وانبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا واصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع لذلك رأسا" اى لم يلتفت اليه بالعمل ولم يقبل هدى الله الذى ارسلت به انتهى فعلم العالم العامل المعلم كالمطر الواقع على التربة الطيبة وعلم العالم المعلم الغير العامل كالمطر الواقع على الاجادب واما الذى لا يقبل الهدى اصلا فكان كالارض التى لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فكما انها ليس فيها ماء ولا كلأ فكذا الكافر والجاهل ليس فيه علم ولا عمل فلا لنفسه نفع ولا لغيره