خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٤٢
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ الله يتوفى الانفس حين موتها } يقال توفاه الله قبض روحه كما فى القاموس والانفس جمع نفس بسكون الفاء وهى النفس الناطقة المسماة عند اهل الشرع بالروح الاضافى الانسانى السلطانى فسميت نفسا باعتبار تعلقها بالبدن وانصياعها باحكامه والتلبس بغواشيه وروحا باعتبار تجردها فى نفسها ورجوعها الى الله تعالى. فالنفس ناسوتية سفلية والروح لاهوتية علوية.
قالوا الروح الانسانى جوهر بسيط محرك للجسم وليس هو حالا فى البدن كالحلول السريانى ولا كالحلول الجوارى ولكن له تعلق به تعلق التدبير والتصرف والروح الحيوانى اثر من آثار هذا الروح على ما سبق منى تحقيقه فى سورة الاسراء عند قوله تعالى
{ { قل الروح من امر ربى } فهو من الروح الانسانى كالقمر من الشمس فى استفاضة النور والبهائم تشارك فيه الانسان وهو الروح الذى يتصرف فى تعديله وتقويته علم الطب ولا يحمل الامانة والمعرفة والتراب يأكل محله وهو البدن العامى لان الله تعالى حرم على الارض ان تأكل اجساد الانبياء والصديقين والشهداء بخلاف الروح الانسانى فانه حامل الامانة والمعرفة والايمان ويتصرف فيه علم الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة بتوسط الحكماء الالهيين ولا يأكله التراب وهو باعتبار كونه نفسا هو النبى والولى والمشار اليه بانا والمدرج فى الخرقة بعد مفارقته عن البدن والمسئول فى القبر والمثاب والمعاقب وليس له علاقة مع البدن سوى ان يستعمله فى كسب المعارف بواسطة شبكة الحواس فان البدن آلته ومركبه وشبكته وبطلان الآلة والمركب والشبكة لا يوجب بطلان الصياد نعم بطلب الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة اذ يتخلص من حملها وثقلها ولذا قال عليه السلام "الموت تحفة المؤمن" اما لو بطلت الشبكة قبل الصيد فقط عظمت فيه الحسرة والندامة ولذا يقول المقصرون { { رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت } الآية. والموت زوال القوة الحساسة كما ان الحياة وجود هذه القوة ومنه سمى الحيوان حيوانا ومبدأ هذه القوة هو الروح الحيوانى الذى محله الدماغ كما ان محل الروح الانسانى القلب الصنوبرى ولا يلزم من ذلك تحيزه فيه وان كانت الارواح البشرية متحيزة عند اهل السنة. ثم ان الانسان ما دام حيا فهو انسان بالحقيقة فاذا مات فهو انسان بالمجاز لان انسانيته فى الحقيقة انما كانت بتعلق الروح الانسانى وقد فارقه: وفى المثنوى

جان زريش وسبلت تن فارغست ليك تن بى جان بود مرداريست

ومعنى الآية يقبض الله الارواح الانسانية عن الابدان بان يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت فيزول الحس والحركة عن الابدان وتبقى كالخشب اليابس ويذهب العقل والايمان والمعرفة مع الارواح.
وفى الوسيط { حين موتها } اى حين موت ابدانها واجسادها على حذف المضاف.
يقول الفقير ظاهره يخالف قوله تعالى
{ { كل نفس ذائقة الموت } فان المفهوم منه ان الموت يطرأ على النفوس لا على البدن اللهم الا ان يقال المراد ان الله تعالى يتوفى الارواح حين موت ابدانها بمفارقة ارواحها عنها واسند القبض اليه تعالى لانه الآمر للملائكة القابضين.
وفى زهرة الرياض التوفى من الله الامر بخروج الروح من البدن لو اجتمعت الملائكة لم يقدروا على اخراجه فالله يأمره بالخروج كما امره بالدخول ومن الملائكة المعالجة واذا بلغت الحنجرة يأخذها ملك الموت على الايمان او الكفر انتهى على ان من خواص العباد من يتولى الله قبض روحه كما روى ان فاطمة الزهراء رضى الله عنها لما نزل عليها ملك الموت لم ترض بقبضه فقبض الله روحها واما النبى عليه السلام فانما قبضه ملك الموت لكونه مقدم الامة وكما قال ذو النون المصرى قدس سره آلهى لا تكلنى الى ملك الموت ولكن اقبض روحى انت ولا تكلنى الى رضوان واكرمنى انت ولا تكلنى الى مالك وعذبنى انت نسأل الله الفضل على كل حال { والتى لم تمت فى منامها } قوله فى منامها متعلق بيتوفى المقدر. المنام والنوم واحد وهو استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه.
وقيل هو ان يتوفى الله النفس من غير موت كما فى الآية.
وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وهذه التعريفات كلها صحيح بنظرات مختلفة والمعنى ويتوفى الانفس التى لم تمت فى منامها اى يتوفاها حين نومها بان يقطع تعلقها عن الابدان وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالنائم يتنفس ويتحرك ببقاء الروح الحيوانى ولا يعقل ولا يميز بزوال الروح الانسانى ومثل النوم حال الانسلاخ عند الصوفية الا ان المنسلخ حال اليقظة اقوى حالا وشهودا من المنسلخ حال النوم وهو النائم وعبر عن الموت والنوم بالتوفى تشبيها للنائمين بالموتى لعدم تميزهم ولذا ورد النوم اخو الموت.
وعن على رضى الله عنه ان الروح يخرج عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فلذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه عاد روحه الى جسده باسرع من لحظة ـ ويروى ـ ان ارواح المؤمنين تعرج عند النوم الى السماء فمن كان منهم طاهرا اى على وضوء اذن له فى السجود لله تعالى تحت العرش ومن لم يكن منهم طاهرا لم يؤذن له فيه فلذلك يستحب ان ينام الرجل على الوضوء لتصدق رؤياه ويكون له مع الله معاملات ومخاطبات.
قال بعضهم خلق الله الارواح على اللطافة والاجساد على الكثافة فلما امرت بالتعلق بالاجساد انقبضت من الاحتجاب بها فجعل الله النوم والانسلاخ سببا لسيرها فى عالم الملكوت حتى يتجدد لها المشاهدة وتزيد الرغبة فى قرب المولى وانما يستريح العبد ويجد اللذة فى النوم لانه فى يد الله وهو ارحم الراحمين ويضطرب ويجد الالم فى الموت لانه فى يد ملك الموت وهو اشد الخلائق اجمعين { فيمسك التى قضى عليها الموت } امساك شىء تعلق به وحفظه والقضاء الحكم اى يمسك انفس الاموات عنده ولا يردها الى البدن وذلك الامساك انما هو فى عالم البرزخ الذى تكون الارواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنيوية وهو غير البرزخ بين الارواح المجردة والاجسام اى غير عالم المثال الذى كان النوم او الانسلاخ سببا للدخول فيه لان مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية والمرتبة التى قبل النشأة الدنيوية هى من مراتب التنزلات ولها الاولية والتى بعدها هى من مراتب المعارج ولها الآخرية وايضا الصور التى تلحق الارواح فى البرزخ الاخير انما هى صور الاعمال ونتائج الافعال السابقة فى النشأة الدنيوية بخلاف صور البرزخ الاول فلا يكون شىء منهما عين الآخرة لكنهما يشتركان فى كونهما عالما روحانيا وجوهرا نورانيا غير مادى مشتملا على مثال صور العالم { ويرسل الاخرى } اى ويرسل انفس الاحياء وهى النائمة الى ابدانها عند اليقظة والنزول من عالم المثال المقيد ولعالم المثال شبه بالجوهر الجسمانى فى كونه محسوسا مقداريا وبالجوهر العقلى المجرد فى كونه نورانيا فجعل الله عالم المثال وسطا شبيها بكل من الطرفين حتى يتجسد اولا ثم يتكاثف ألا ترى ان حقيقة العلم الذى هو مجرد يتجسد بالصورة التى فى عالم المثال { الى اجل مسمى } هو الوقت المضروب لموتها وهو غاية لجنس الارسال اى لا لشخصه حتى يرد لزوم ان لا يقع نوم بعد اليقظة الاولى.
وعن سعيد بن جبير ان ارواح الاحياء وارواح الاموات تلتقى فى المنام فيتعارف منها ما شاء الله ان يتعارف فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجسادها الى انقضاء مدة حياتها.
وفى الاسئلة المقحمة يقبض الروح حال النوم ثم يمسك الروح التى قضى الموت على صاحبها ووافق نومه اجله انتهى. فيكون قوله فيمسك متفرعا على قوله والتى لم تمت ويؤيده قوله عليه السلام
"اذا اوى احدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة ازاره فانه لا يدرى ما خلف عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى وبك ارفعه ان امسكت نفسى فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"
وفيه اشارة الى ان المقصود من الحياة هو الصلاح وما عداه ينبغى ان يكون وسيلة اليه { ان فى ذلك } اى فيما ذكر من التوفى على الوجهين والامساك فى احدهما والارسال فى الآخر { لآيات } عجيبة دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته { لقوم يتفكرون } فى كيفية تعلق الارواح بالابدان وتوفيها عنها تارة بالكلية كما عند الموت وامساكها باقية بعد الموت لا تفنى بفناء الابدان وما يقربها من السعادة والشقاوة واخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وارسالها حينا بعد حين الى انقضاء آجالها وانقطاع انفاسها.
وفى الكواشى { لقوم يتفكرون } فيستدلون على ان القادر على ذلك قادر على البعث كما قال الكاشفى [براى كروهى كه تفكر كنند در امر اماته كه مشابه نوم است ودر احياكه مماثلتست به يقظه ودرتورات مذكوراست كه اى فرزندآدم جنانجه در خواب ميروى بميرد وجنانجه بيدار ميكردى برانكيخته شوى]

فالموت باب وكل الناس داخله

وفى الحديث القدسى "ما ترددت فى شىء انا فاعله كترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن" لما كان التردد وهو التحير بين الشيئين لعدم العلم بان الاصلح ايهما محالا فى حق الله تعالى حمل على منتهاه وهو التوقف يعنى ما توقفت فيما افعله مثل توقفى في قبض نفس المؤمن فانى اتوقف فيه واريه ما اعددت له من النعم والكرامات حتى يميل قلبه الى الموت شوقا الى لقائى. ويجوز ان يراد من تردده تعالى ارسال اسباب الهلاك الى المؤمن من الجوع والمرض وغيرهما وعدم اهلاكه بها ثم ارسالها مرة اخرى حتى يستطيب الموت ويستحلى لقاءه كذا فى شرح السنة "يكره الموت" استئناف جواب عمن قال ما سبب ترددك اراد به شدة الموت لان الموت نفسه يوصل المؤمن الى لقاء الله فكيف يكرهه المؤمن وفى الحديث "ان احدكم لن يرى ربه حتى يموت"

تا نميرد بنده از هستى تمام او نبيند حق تعالى والسلام
مرك بيش از مرك امنست اى فتى اين جنين فرمود مارا مصطفى

قال بعضهم [وازموت كراهت داشتن بنده را سبب آنست كه محجوبست از ادراك لذت وصال وكمال عزتىكه اورا بعد ازموت حاصل خواهد شد] "وانا اكره مساءته" اى ايذاءه بما يلحقه من صعوبة الموت وكربه "ولا بد له منه" اى للعبد من الموت لانه مقدر لكل نفس.
قال بعضهم [واكرجه حق تعالى كراهت داردكه روح جنان بنده قبض كند اماجون وقت آيد ازغايت محبت كه بابنده دارد حجاب جسم كه نقاب رخساره روح است بر اندازد]

حجاب جهره جان ميشود غبارتنم خوشا دمى كه ازين جهره برده برفكنم

فعلى العاقل ان يتهيأ للموت بتحصيل حضور القلب وصفاء البال فان كثيرا من ارباب الحال والمقال وقعوا فى الاضطراب عند الحال: وفى المثنوى

آن هنرهاى دقيق وقال وقيل قوم فرعونند اجل جون آب نيل
سحرهاى ساحران دان جمله را مرك جوبى دانكه آن شد ازدها
جادويهارا همه يك لقمه كرد يك جهان برشب بد آن راصبح خورد
آتش ابراهيم را دندان نزد جون كزيده حق بود جونش كزد
همجنين باد اجل برعارفان نرم وخوش همجو نسيم يوسفان