خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٧
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما قدروا الله حق قدره } القدر بمعنى التعظيم كما فى القاموس فالمعنى ما عظموا الله حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكا بما لا يليق بشأنه العظيم ويقال قدر الشىء قدره من التقدير كما فى المختار. فالمعنى ما قدروا عظمته تعالى فى انفسهم حق عظمته.
وقال الراغب فى المفردات ما عرفوا كنهه.
يقول الفقير هذا ليس فى محلة فان الله تعالى وان كان لا يعرف حق المعرفة بحسب كنهه ولكن تتعلق به تلك المعرفة بحسبنا فالمعنى ههنا ما عرفوا الله حق معرفته بحسبهم لا بحسب الله اذ لو عرفوه بحسبهم ما اضافوا اليه الشريك ونحوه فافهم.
وفى التأويلات النجمية ما عرفوا الله حق معرفته وما وصفوه حق وصفه وما عظموه حق تعظيمه فمن اتصف بتمثيل او جنح الى تعطيل حاد عن ألسنة المثلى وانحرف عن الطريقة الحسنى وصفوا الحق بالاعضاء وتوهموا فى نعته الاجزاء فما قدروا الله حق قدره انتهى { والارض جميعا } حال لفظا وتأكيد معنى ولذا قال اهل التفسير تأكيد الارض بالجميع لان المراد بها الارضون السبع او جميع ابعاضها البادية والغائرة اى الظاهرة وغير الظاهرة من باطنها وظاهرها ووسطها قوله والارض مبتدأ خبره قوله { قبضته يوم القيمة } القبضة المرة من القبض اطلقت بمعنى القبضة وهى المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر او بتقدير ذات قبضته.
وفى المفردات القبض التناول بجمع الكف نحو قبض السيف وغيره ويستعار القبض لتحصيل الشىء وان لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان اى حزتها قال الله تعالى { والارض جميعا قبضته } اى فى حوزه حيث لا تمليك للعبد انتهى تقول للرجل هذا فى يدك وفى قبضتك اى فى ملكك وان لم يقبض عليه بيده. والمعنى والارض جميعا مقبوضة يوم القيامة اى فى ملكه وتصرفه من غير منازع يتصرف فيها تصرف الملاك فى ملكهم وانها اى جميع الارضين وان عظمن فما هن بالنسبة الى قدرته تعالى الا قبضة واحدة.
ففيه تنبيه على غاية عظمته وكمال قدرته وحقارة الافعال العظام بالنسبة الى قدرته ودلالة على ان تخريب العالم اهون شىء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة حقيقة ولا مجازا على ما فى الارشاد ونحوه وعلى هذه الطريقة قوله تعالى { والسموات } مبتدأ { مطويات } خبره { بيمينه } متعلق بمطويات اى مجموعات ومدرجات من طويت الشىء طيا اى ادرجته ادراجا او مهلكات من الطى بمعنى مضى العمر يقال طوى الله عمره. وقوله بيمينه اى بقوته واقتداره فانه يعبر بها عن المبالغة فى الاقتدار لانها اقوى من الشمال فى عادة الناس كما فى الاسئلة المقحمة.
قال ابن عباس رضى الله عنهما ما السموات السبع والارضون السبع فى يد الله الا كخردلة فى يد احدكم.
قال بعضهم الآية من المتشابهات فلا مساغ لتأويلها وتفسيرها غير الايمان بها كما قال تعالى
{ { والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا
} وقال اهل الحقيقة المراد بهذه القبضة هى قبضة الشمال المضاف اليها القهر والغضب ولوازمهما وعالم العناصر وما يتركب ويتولد منها ومن جملة ذلك صورة آدم العنصرية واما روحانيته فمضافة الى القبضة المسماة باليمين ودل على ما ذكر ذكر اليمين فى مقابل الارض وصح عن النبى عليه السلام اطلاق الشمال على احدى اليدين اللتين خلق الله بهما آدم عليه السلام كما فى شرح الاربعين حديثا للشيخ الكبير قدس سره الخطير وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "يقبض الله السموات بيمينه والارضين بيده الاخرى ثم يهزهنّ ويقول انا الملك اين ملوك الارض" كما فى كشف الاسرار.
وفيه اشعار باطلاق الشمال على اليد الاخرى فالشمال فى حديثه عليه السلام والقبضة فى هذه الآية واحدة.
فان قلت كيف التوفيق بينه وبين قوله عليه السلام
"كلتا يدى ربى يمين مباركة" وقول الشاعر

له يمينان عدلا لا شمال له وفى يمينيه آجال وارزاق

قلت كون كل من اليدين يمينا مباركة بالاضافة اليه تعالى ومن حيث الآثار فيمين وشمال اذ لا تخلو الدنيا والآخرة من اللطف والقهر والجمال والجلال والبسط والقبض والروح والجسم والطبيعة والعنصر ونحو ذلك وظهر مما ذكرنا كون السموات خارجة عن حد الدنيا لاضافتها الى اليمين وان كانت من عالم الكون والفساد اللهم الا ان يقال العناصر مطلقا مضافة الى الارض المقبوضة بالشمال واما ملكوتها وهو باطنها كباطن آدم وباطن السموات كالارواح العلوية فمضاف الى السموات المقبوضة باليمين فالسموات من حيث عناصرها داخلة فى حد الدنيا { سبحانه وتعالى عما يشركون } ما ابعد وما اعلى من هذه قدرته وعظمته عن اشراكهم ما يشركونه من الشركاء فما على الاول مصدرية وعلى الثانى موصولة.
سئل الجنبد قدس سره عن قوله { والسموات مطويات } فقال متى كانت منشورة حتى صارت مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع فى العقول من طيها ونشرها اذ كل الكون عنده كالخردلة او كجناح بعوضة او اقل منها.
قال الزروقىرحمه الله اذا اردت استعمال حزب البحر للسلامة من عطبه فقدم عند ركوبه
{ { بسم الله مجريها ومرساها ان ربى لغفور رحيم } { وما قدروا الله حق قدره } الى قوله { عما يشركون } اذ قد جاء فى الحديث انه امان من الغرق ومن الله الخلاص.
يقول الفقير التخصيص هو ان من عرف الله حق معرفته قد لا يحتاج الى ركوب السفينة بل يمشى على الماء كما وقع لكثير من اهل التصرف ففيه تنبيه على العجز وتعريف للقصور. وايضا ان الارض اذا كانت فى قبضته فالبحر الذى فوقها متصلا بها يكون ايضا فى قبضته فينبغى ان يخاف من سطوته فى كل مكان ويشتغل بذكره فى كل آن بخلوص الجنان وصدق الايقان.
يقال ان الشرك جلى وخفى فالجلى من العوام الكفر والخفى منهم التوحيد باللسان مع اشتغال القلب بغير الله تعالى وهو شرك جلى من الخواص والخفى منهم الالتفات الى الدنيا واسبابها وهو جلى من اخص الخواص والخفى منهم الالتفات الى الآخرة.
يقال ان السبب لانشقاق زكريا عليه السلام فى الشجرة كان التفاته الى الشجرة حيث قال اكتمينى ايتها الشجرة كما ان يوسف عليه السلام قال لساقى الملك اذكرنى عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين فاقطع نظرك عما سوى الله وانظر الى حال الخليل عليه السلام فانه لما القى فى النار اتاه جبرائيل وقال ألك حاجة يا ابراهيم فقال اما اليك فلا فجعل الله له النار بردا وسلاما وكان قطبا واماما

نكر تاقضا از كجا سير كرد كه كورى بود تكيه برغير كرد

قال عبد الواحد بن زيد لابى عاصم البصرىرحمه الله كيف صنعت حين طلبك الحجاج قال كنت فى غرفتى فدقوا على الباب ودخلوا فدفعت بى دفعة فاذا انا على ابى قبيس بمكة فقال عبد الواحد من اين كنت تأكل قال كانت تأتى الىّ عجوز وقت افطارى بالرغيفين الذين كنت آكلهما بالبصرة قال عبد الواحد تلك الدنيا امرها الله ان تخدم ابا عاصم هكذا حال من توكل على الله وانقطع اليه عما سواه فالله لا يخيب عبدا لا يرجو الا اياه