خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تهنوا فى ابتغاء القوم } نزلت فى بدر الصغرى وهى موضع سوق لبنى كنانة كانوا يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام ـ روى ـ "ان ابا سفيان قال عند انصرافه من احد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل ان شئت فقال صلى الله عليه وسلم ان شاء الله تعالى فلما كان القابل القى الله الرعب فى قلبه فندم على ما قال فبعث نعيم بن مسعود ليخوف المؤمنين من الخروج الى بدر فلما أتى نعيم المدينة وجد المؤمنين يتجهزون للخروج فقال لهم ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ففتر المؤمنون فقال عليه السلام لأخرجن ولو لم يخرج معى احد"
.فانزل الله هذه الآية ارشادا لمن طرأ عليهم الوهن فى ابتغاء القوم اى طلب ابى سفيان وقوله. والمعنى لا تفتروا ولا تضعفوا فى طلب الكفار بالقتال اى لا يورثنكم ما اصابكم يوم احد من القتل والجراحات فتورا وضعفا { ان تكونوا تألمون } من الجراح { فانهم } اى القوم { يألمون كما تألمون } اى ان كان لكم صارف عن الحرب وهو انكم تألمون من الجراح فلهم مثل ذلك من الصارف ولكم اسباب داعية الى الحرب ليست لهم كما اشار اليها بقوله { وترجون من الله } من الثواب والنصر { ما لا يرجون } والحاصل ليس ما تقاسونه من الآلام مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم ثم انهم يصبرون على ذلك فما لكم لا تصبرون مع انكم اولى به منهم حيث ترجون من الله من اظهار دينكم على سائر الاديان ومن الثواب فى الآخرة ما لا يخطر ببالهم قطعا { وكان الله عليما } مبالغا فى العلم فيعلم اعمالكم وضمائركم { حكيما } فيما يأمر وينهى فجدّوا فى الامتثال بذلك فان فيه عواقب حميدة وفى امره بابتغاء القوم بالقتال لهمة بالغة كاملة ومصلحة تامة شاملة فاطلبوهم بالقتال فان الله يعذبهم فى الدنيا بايديكم وفى الآخرة بايدى الزبانية فهل ينتظرون الا سنة الله فى الكافرين الاولين وهو انزال العذاب بهم حين كذبوا انبياءهم فلن تجد لسنة الله تبديلا بجعل التعذيب غير تعذيب وغير التعذيب تعذيبا ولن تجد لسنة الله تحويلا بنقل التعذيب عنهم الى غيرهم والحاصل انه لا يبدل نفس السنة ولا يحول محل السنة اذ لقد حق القول عليهم ولا يتبدل القول لديه.
وفى الآية الكريمة حث على الشجاعة والتجلد واظهار الغلظة كما قال تعالى
{ { وليجدوا فيكم غلظة } [التوبة: 123].
قيل

هست نرمى آفت جان سمور وزدر شتى ميبرد جان خاربشت

قال سلمان الفارسى رضى الله عنه اذا اضطرب قلب المؤمن عند محاربة الكافر تتحدر ذنوبه كتحدر اوراق الشجرة بهبوب النسيم.
وقال عطية بن قيس اذا خرجت غازيا فان خطر ببالى كثرة العدد والعدد رجعت عن السفر خوفا من الغرور وان خطر قلتهما قلت لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظم: ومن كلمات بهرام

هرآنكه سرتاج دارد بايدكه دل از سربر دارد
هرآنكه باى نهد در نكار خانه ملك يقين كه مال وسروهرجه هست دربازد

ومن كلمات السعدى قدس سره

درقزا كند مرد بايدبود برمخنث سلاح جنك جه سود

يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى الذى هو بمنزلة روحى من جسدى انه قال السلطان والوزير بالنسبة الى العساكر الاسلامية كالقلب بالنسبة الى الاعضاء والجوارح الانسانية فاذا ثبت ثبتوا كما ان القلب اذا صلح صلح الجسد كله فان كان اقبال الامام بعشر مراتب كان اقبال قومه بمرتبة واحدة وان كان بمائة مرتبة كان اقبالهم بعشر مراتب وهكذا واما ادباره فعكسه فان كان بمرتبة كان ادبار القوم بعشر مراتب وان كان بعشر مراتب كان ادبارهم بمائة مرتبة وهكذا وليس الدخول بدار من باب تفرج البلدان والخروج الى المسير والتنعم فلا بد لكل مجاهد ان يجتهد فى خدمة الدين ويتوكل على الله ويعقد على وعده ويصبر على البلاء حتى يبلغ الكتاب اجله وان اتى الباب فلا يستعجل الامناء ولا يهن ولا يحزن بمكث الفتح المطلوب بل ينتظر الى فرج الله بالنصر والفتح عن قريب فان انكسار القلوب مفتاح ابواب الغيوب ومدار انفتاح انواع الفتوح.
والاشارة فى الآية { ولا تهنوا فى ابتغاء القوم } اى فى طلب النفس وصفاتها والجهاد معها { ان تكونوا تألمون } فى الجهاد معها وتتعبون بالرياضات والمجاهدات وملازمة الطاعات والعبادات ومداومة الذكر ومراقبة القلب فى طلب الحق والقبول والوصول الى المقامات العلية { فانهم } يعنى النفس والبدن فى طلب الشهوات الدنيوية واللذات الحيوانية والمرادات الجسمانية { يألمون } ويتعبون فى طلبها كما تألمون { وترجون من الله } العواطف الازلية والعوارف الابدية { ما لا يرجون } النفوس الردية من هممها الدنية التى لا تتجاوز من قصورها عن المقاصد الدنيوية { وكان الله } فى الازل { عليما } باستعداد كل طائفة من اصناف الخلق { حكيما } فيما حكم لكل واحد منهم من المقاصد والمشارب قد علم كل اناس مشربهم وكل حزب بما لديهم فرحون.