خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٥٥
-غافر

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاصبر } مترتب على قوله انا لننصر رسلنا وقوله ولقد آتينا الخ فالجملة المعترضة للبيان والتأكيد لنصرة الرسل كأنه قيل اذا سمعت ما وعدت به من نصرة الرسل وما فعلناه بموسى فاصبر على ما اصابك من اذية المشركين فهو غير منسوخ بآية السيف اذ الصبر محمود فى كل المواطن { ان وعد الله } بالنصرة وظهور الاسلام على الاديان كلها وفتح مكة ونحوها { حق } لا يحتمل الاخلاف اصلا واستشهد بحال موسى وفرعون { واستغفر لذنبك } تداركا لما فرط منك من ترك الاولى فى بعض الاحيان فانه تعالى كافيك فى نصرة دينك واظهاره على الدين كله وفى عين المعانى واستغفر من ذنب ان كان منك وقيل هذا تعبد من الله لرسوله ليزيد به درجة وليصير ذلك سنة لمن بعده وفى عرآئس البقلى واستغفر لما جرى على قلبك من احكام البشرية وايضا استغفر لوجودك فى وجود الحق فان كون الحادث فى كون القديم ذنب وقيل واستغفر لذنب امتك وفيه أن هذا لا يجرى فى قوله تعالى { { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } كما سيأتى فى سورة محمد وقال ابن الشيخ فى حواشيه والظاهر أنه تعالى يقول ما اراد أن يقوله وان لم يجر لنا أن نضيف اليه عليه السلام ذنبا انتهى.
يقول الفقير كلام ابن الشيخ شيخ الكلمات وذلك لأن مرتبة النبوة ارفع من مرتبة الولاية فان احدا من الامة وان كان واصلا الى اقصى الغايات بحسب مرتبته فهو لا يدرى حال النبى فوقه اذ لا ذوق له من مرتبته فكيف يضيف اليه ذنبا لا يعرفه فلا يطمع على حقيقة الذنب المضاف اليه عليه السلام الا الله كالتصلية فى قوله تعالى
{ { ان الله وملائكته يصلون على النبى } فانها سر غامض بينه تعالى وبين رسوله فليس لاحد سبيل الى معرفته ومن هذا القبيل سهوه عليه السلام فى بعض المواضع فانه ليس من قبيل السهوى الذى تعرفه الامة

ندانم كدامين سخن كويمت كه والاترى زانجه من كويمت

{ وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار } اى ودم على التسبيح ملتبسا مقرونا وبحمده تعالى او على قوله سبحان الله وبحمده فالمقصود من ذكر العشى والابكار الدلالة على المداومة عليهما فى جميع الاوقات بناء على ان الابكار عبارة عن اول النهار الى نصفه والعشى عبارة عن نصف النهار الى اول النهار من اليوم الثانى فيدخل فيهما كل الاوقات وفى الآية اشارة الى قلب الطالب الصادق بالتصبر على اذى النفس والهوى والشيطان ان وعد الله حق فى نصرة القلب المجاهد مع كافر النفس وظفره عليها واستغفر لذنبك ايها القلب اى مما سرى اليك من صفات النفس وتخلقت باخلاقها فاستغفر لهذا الذنب فانه صدأ مرءآة القلب ودم على الطاعات وملازمة الاذكار فانه تصفو مرءآة القلب عن صدأ الاخلاق الذميمة قالوا ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما ينحدر من معارف القلب آثار الى الجوارح كذلك قد يرتفع من احوال الجوارح التى هى من عالم الشهادة آثار الى القلب فاذا لا بد من الاشتغال بظواهر الاعمال اصلاحا للحال وتنويرا وتصفية للبال فمن ليس له فى الدنيا شغل وقد ترك الدنيا على اهلها فماله لا يتنعم بخدمة الله تعالى فيلزم ان يديم العمل لله من غير فتور اما ظاهرا او باطنا قلبا وقالبا والا فباطنا وترتيب ذلك أنه يصلى ما دام منشرحا والنفس مجيبة فان سئم تنزل من الصلاة الى التلاوة فان مجرد التلاوة اخف على النفس من الصلاة فان سئم التلاوة ايضا يذكر الله بالقلب واللسان فهو اخف من القرآءة فان سئم الذكر ايضا يدع ذكر اللسان ويلازم المراقبة والمراقبة علم القلب بنظر الله تعالى اليه فما دام هذا العلم ملازما للقلب فهو مراقب والمراقبة عين الذكر وافضله وان عجز عن ذلك ايضا وتملكته الوساوس وتزاحم فى باطنه حديث النفس فلينم وفى النوم السلامة والا فكثرة حديث النفس تقسى القلب ككثرة الكلام لأنه كلام من غير لسان فيحترز من ذلك فيقيد الباطن بالمراقبة والرعاية كما يقيد الظاهر بالعمل وانواع الذكر والتسبيح ويداوم الاقبال على الله ودوام الذكر بالقلب واللسان يرتقى القلب الى ذكر الذات ويصير حينئذ بمثابة العرش فالعرش قلب الكائنات فى عالم الخلق والحكمة والقلب عرش فى عالم الامر والقدرة فاذا اكتحل القلب بنور ذكر الذات وصار بحرا مواجا من نسيمات القرب جرى فى جد اول اخلاق النفس صفاء النعوت والصفات وتحقق التخلق باخلاق الله تعالى

غير ذكر خدا جه سرجه جهر نيست دلرا نصيب وجانرا بهر
نور حق جون زدل ظهور كند ظلمت تن جه شر وشور كند

وفى الحديث "رأيت رجلا من امتى يتقى وهج النار وشررها عن وجهه بيده فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه ورأيت رجلا من امتى جاثيا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاء حسن خلقه واخذ بيده وادخله على الله ورأيت رجلا من امتى غلقت ابواب الجنة له فجاءت شهادة ان لا اله الا الله ففتحت له الابواب وادخلته الجنة" جعلنا الله واياكم من اهل الاخلاق والاحوال وصالحات الاعمال