خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
-غافر

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذين يحملون العرش } العرش هو الجسم المحيط بجميع الاجسام سمى به لارتفاعه او للتشبيه بسرير الملك فى ممكنه عليه عند الحكم لنزول احكام قضائه وقدره منه ولا صورة ولا جسم ثمة وهو الفلك التاسع خلقه الله من جوهرة حضرآء وبين القائمتين من قوآئمه خفقان الطير المسرع ثمانين الف عام والمراد أن حملة العرش افضل كما ان خادم اشرف الكائنات مطلقا وهو جبرآئيل الخادم للنبى عليه السلام اشرف وفى الحديث ان الله امر جميع الملائكة ان يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائرهم وهم اربعة من الملائكة يسترزق احدهم لبنى آدم وهو فى صورة رجل والثانى للطيور وهو فى صورة نسر والثالث للبهائم وهو فى صورة ثور والرابع للسباع وهو فى صورة اسد وبينهم وبين العرش سبعون حجابا من نور واذا كان يوم القيامة يكون حملته ثمانية دل عليه قوله تعالى { { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } وفى بعض الروايات كلهم فى صورة الاوعال والعرش على قرونهم او على ظهورهم لما اخرجه الترمذى وابو داود فى حديث طويل آخره "ثم فوق السابعة بحر بين اعلاه واسفله كما بين سماء الى سماء وفوق ذلك ثمانية اوعال بين اظلافهن وركبهن ما بين سماء الى سماء ثم فوق ظهورهن العرش بين اسفله واعلاه مثل ما بين سماء الى سماء" وفى الحديث "اذن لى ربى ان احدث عن ملك من حملة عرشه ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" وروى ان حملة العرش ارجلهم فى الارض السفلى ورؤسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم اشد خوفا من اهل السماء السابعة وكل اهل سماء اشد خوفا من اهل السماء التى دونها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما خلق الله تعالى حملة العرش قال لهم احملوا عرشى فلم يطيقوا فخلق كل ملك من اعوانهم مثل جنود من فى السموات والارض من الملائكة والخلق فلم يطيقوا فخلق مثل ما خلق عدد الحصى والثرى فلم يطيقوا فقال جل جلاله قولوا لا حول ولا قوة الا بالله فلما قالوا استقلوا العرش فنفذت اقدامهم فى الارض السابعة على متن الثرى فقال ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تتفكروا فى عظمة ربكم ولكن تفكروا فى خلقه فان خلقا من الملائكة يقال له اسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه فى الارض السفلى فانه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كالوصع" وهو بالصاد المهملة الساكنة وتحرك طائر أصغر من العصفور كما فى القاموس وان الله خلق العرش من جوهرة خضرآء له ألف ألف رأس وستمائة ألف رأس فى كل رأس ألف ألف وستمائة ألف لسان يسبح بالف الف لغة ويخلق الله بكل لغة من لغات العرش خلقا فى ملكوته يسبحه ويقدسه بتلك اللغة والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من نور لا يستطيع ان ينظر اليه خلق من خلق الله والاشيا كلها فى العرش كحلقة ملقاة فى فلاة واحتجب الله بين العرش وحامليه سبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من در ابيض وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ياقوت احمر وسبعين من نور وسبعين من ظلمة ولا ينظر احدهم الى العرش مخافة ان يصعق.
يقول الفقير دل ما ذكر من الرويات على ان حملهم اياه اى العرش محمول على حقيقته وليس بمجاز عن حفظهم وتدبيرهم كما ذهب اليه بعض المفسرين ولعمرى كونه مع سعة دآئرته وعظم محله على قرون الملائكة او على ظهورهم او على كواهلهم ادل على كمال عظمة الله وجلال شأنه فالملائكة الاربعة اليوم والثمانية يوم القيامة كالاسطوانات له فكما أن القصر محمول على الاسطوانات فكذا العرش محمول على الملائكة فلا ينافى ذلك ما صح من قوآئمه وكونه بحيث يحيط الاجسام لانه يجوز ان يكون معلقا فى الحقيقة وان الملائكة تحمله بالكلية { ومن حوله } فى محل الرفع بالعطف على قوله الذين وحول الشىء جانبه الذى يمكنه أن يحول اليه ومحل الموصول الرفع على الابتدآء خبره قوله { يسبحون بحمد ربهم } اى ينزهونه تعالى عن كل مالا يليق بشأنه الجليل ملتبسين بحمده على نعمائه التى لا تتناهى وفى فتح الرحمن يقولون سبحان ذى العزة والجبروت سبحان ذى الملك والملكوت سبحان الملك الحى الذى لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح وجعل التسبيح اصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح لأنه انما يحتاج اليه لعارض الرد على من يصفه بما لا يليق به قيل حول العرش سبعون الف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ومن ورآئهم سبعون ألف صف قياما قد وضعوا ايديهم على عواتقهم رافعين اصواتهم بالتهليل والتكبير ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا أيمانهم على شمائلهم ما منهم احد الا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر وما ورآءهم من الملائكة لا يعلم حدهم الا الله ما بين جناحى احدهم مسيرة ثلاثمائة عام.
درمعالم از شهر بن حوشب نقل ميكندكه حمله عرش هشت اند جهار ميكويند سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك وكوييا ايشان بنسبت كرم الهى باذنوب بنى آدم ابن كلمات ميكويند وفى بعض التفاسير كأنهم يرون ذنوب بنى آدم وفى هذه الكلمات فوآئد كثيرة بيرطريقت ابو القاسم بشر ياسين كه از جمله مشاهير علما ومشايخ دهر بود شيخ ابو السعيد الخير را كفت اين كلمات ازماياد كيرو ييوسته ميكوى ابو سعيد كفت اين كلمات يادكر فتم وييوسته ميكفتم وازان منتفع شدم { ويؤمنون به } اى بربهم ايمانا حقيقا بحالهم والتصريح به مع اغنياء ما قبله عن ذكره لاظهار فضيلة الايمان وابراز شرف اهله وقد قيل اوصاف الاشراف اشراف الاوصاف.
يقول الفقير اشار بالايمان الى انهم فى مرتبة الادراك بالبصائر محجوبون عن ادراكه تعالى بالابصار كحال البشر ما داموا فى موطن الدنيا واما فى الجنة فقيل لا يراه الملائكة وقيل يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة ويراه المؤمنون من البشر فى الدنيا بالبصائر وفى الآخرة بالابصار لأن قوله لا تدركه الابصار قد استثنى منه المؤمنون فبقى على عمومه فى الملائكة والجن وذلك لأن استعداد الرؤية انما هو لمؤمنى البشر لكمالهم الجامع { ويستغفرون للذين آمنوا } استغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة والهامهم ما يوجب المغفرة وفيه اشعار بأنهم يطلعون على ذنوب بنى آدم وتنبيه على ان المشاركة فى الايمان توجب النصح والشفقة وان تخالفت الاجناس لانها اقوى المناسبات واتمها كما قال تعالى
{ { انما المؤمنون اخوة } ولذلك قال الفقهاء قتل الاعوان والسعادة والظلمة فى الفترة مباح وقاتلهم مثاب وان كانوا مسلمين لأن من شرط الاسلام الشفقة على خلق الله والفرح بفرحهم والحزن بحزنهم وهم على عكس ذلك وقلما يندفع شرهم بالحبس ونحوه قال الامام قد ثبت أن كمال السعادة مربوط بامرين التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله ويجب ان يكون الاول مقدما على الثانى فقوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به مشعر بالتعظيم لامر الله ويستغفرون للذين آمنوا بالشفقة على خلق الله انتهى قال مجاهد يسألون ربهم مغفرة ذنوب المؤمنين من حين علموا امر هاروت وماروت او لقولهم اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال الراغب المغفرة من الله ان يصون العبد عن ان يمسه العذاب والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال فان الاستغفار بالمقال فقط فعل الكاذبين ثم لا يلزم من الآية افضلية الملائكة على البشر حيث اشتغلوا بالاستغفار للمؤمنين من غير أن يتقدم الاستغفار لانفسهم لاستغنائهم وذلك لأن هذا بالنسبة الى عوام المؤمنين واما خواصهم وهم الرسل فهم افضل منهم على الاطلاق وانما يصلون عليهم بدل الاستغفار لهم تعظيما لشأنهم ونعم ما قال ابو الليثرحمه الله فى الآية بيان فضل المؤمنين لأن الملائكة مشتغلون بالدعاء لهم وفى التأويلات النجمية يشير الى أن الملائكة كما امروا بالتسبيح والتحميد والتمجيد لله تعالى فكذلك امروا بالاستغفار والدعاء لمذنبى المؤمنين لأن الاستغفار للمذنب ويجتهدون فى الدعاء لهم فيدعون لهم بالنجاة ثم برفع الدرجات كما قال { ربنا } على ارادة القول اى يقولون ربنا على انه بيان الاستغفارهم او حال اى قائلين { وسعت كل شىء رحمة وعلما } نصب على التمييز والاصل وسعت رحمتك وعلمك لا ذاتك لامتناع المكان فى حقه فازيل عن اصله للاغراق فى وصفه بالرحمة والعلم كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شىء وتقديم الرحمة وان كان العلم اشمل واقدم تعلقا من الرحمة لأنها المقصودة بالذات ههنا وفى عين المعانى ملأت كل شىء نعمة وعلما به.
يقول الفقير دخل فى عموم الآية الشيطان ونحوه لأن كل موجود فله رحمة دنيوية ألبتة واقلها الوجود وللشيطان انظار الى يوم الدين ويكون من الرحمة الدنيوية الى غير ذلك { فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } الفاء لترتيب الدعاء على ما قبلها من سعة الرحمة والعلم فما بعد الفاء مسبب عن كل واحد من الرحمة والعلم اذ المعنى فاغفر للذين علمت منهم التوبة من الكفر والمعاصى واتباع سبيل الايمان والطاعة وفيه اشارة الى أن الملائكة لا يستغفرون الا لمن تاب ورجع عن اتباع الهوى واتبع بصدق الطلب وصفاء النية سبيل الحق تعالى وفى الاسئلة المقحمة قوله فاغفر الخ صيغة دالة على أن الشفاعة للتائبين والجواب ان الشفاعة للجميع ولكن لما كانت حاجة التائب اليها اظهر قرنوه بالذكر ثم لا يجب على الله قبول توبة التائب عندنا انتهى والاظهر ان التخصيص للحث على التوبة والاتباع وهو اللائح بالبال ومن اعجب ما قيل فى هذا المقام قول البقلى فى تأويلاته عجبت من رحمة الملائكة كيف تركوا المصرين على الذنوب عن استغفارهم هذه قطعة زهد وقعت فى مسالكم اين هم من قول سيد البشر عليه السلام حين اذاه قومه اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون عمموا الاشياء بالرحمة ثم خصوا منها التائبين يا ليت لو بقوا على القول الاول وسألوا الغفران لمجموع التائبين والعاصين انتهى.
يقول الفقير العاصى اما مؤمن او كافر والثانى لا تتعلق به المغفرة لانها خاصة بالمؤمنين مطلقا فلما علم الملائكة ان الله لا يغفر ان يشرك به خصوها بالتائبين ليخرج المشركون { وقهم عذاب الجحيم } امر من وقى يقى وقاية وهى حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره اى واحفظهم من عذاب جهنم وهو تصريح بعد اشعار للتأكيد وذلك لأن معنى الغفران اسقاط العذاب وفيه اشارة الى أنه بمجرد التوبة لا تحصل النجاة فلا بد من الثبات عليها وتخليص العمل من شوب الرياء والسمعة وتصفية القلب عن الاهوآء والبدع