خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
١٠
-فصلت

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجعل فيها رواسى } عطف على وخلق داخل فى حكم الصلة. والجعل ابداعى والمراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل والمراد بالرواسى الجبال الثابتة المستقرة: وبالفارسية [كوههاى بلنديايدار] يقال رسا الشىء يرسو ثبت وارساه غيره ومنه المرساة وهو انجر السفينة وقفت على الانجر بالفارسية [لنكر] { من فوقها } متعلق بجعل او بمضمر هو صفة لرواسى اى كائنة من فوقها مرتفعة عليها لتكون منافعها ظاهرة للطلاب وليظهر للناظر ما فيها من وجوه الاستدلال ولا فالجبال التى اثبتت فوق الارض لا تمنعها عن الميلان ولو كانت تحتها كاساطين الغرف او مركوزة فيها كالمسامير لمنعتها عنه.
عن ابن عباس رضى الله عنهما اول ما خلق الله من شىء خلق القلم وقال له اكتب قال يا رب ما اكتب قال اكتب القدر فجرى بما يكون من ذلك الى يوم القيامة ثم خلق النون ثم رفع بخار الماء ففتق منه السماوات ثم بسط الارض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الارض اى مالت فاوتدت بالجبال اى احكمت واثبتت.
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره لما خلق الله الارض على الماء تحركت ومالت فخلق الله من الابخرة الغليظة الكثيفة الصاعدة من الارض بسبب هيجانها الجبال فسكن ميل الارض وذهبت تلك الحركة التى لا يكون معها استقرار فطوّق الارض بجبل محيط بها وهو من صخرة خضراء وطوق الجبل بحية عظيمة رأسها بذنبها رأيت من الابدال من صعد جبل قاف فسألته عن طوله علوا فقال صليت الضحى فى اسفله والعصر فى اعلاه يعنى بخطوة الابدال وهى من المشرق الى المغرب.
يقول الفقير لعل هذا من قبيل البسط فى السير الملكوتى والا فما بين السماء والارض كما بين المشرق والمغرب وهى خمسمائة عام على ما قالوا.
وعن وهب ان ذا القرنين اتى على جبل قاف فرأى حوله جبالا صغارا فقال ما انت قال انا قاف قال فما هذه الجبال حولك قال هى عروقى وليست مدينة الا وفيها عرق منها فاذا اراد الله ان يزلزل مدينة امرنى فحركت عرقى ذلك فتزلزلت تلك المدينة قال يا قاف اخبرنى بشىء من عظمة الله فقال ان شأن ربنا لعظيم وان من ورائي مسيرة خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا لولا ذلك لاحرقت من نار جهنم والعياذ بالله منها.
وذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلا منها ما طوله عشرون فرسخا ومنها مائة فرسخ الى الف فرسخ.
وفى زهرة الرياض اول جبل نصب على وجه الارض ابو قبيس وعدد الجبال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول.
وجعل الله فى الجبال خصائص منها ان تجر البرودة الى نفسها وجعلها خزائن المياه والثلوج تدفعها بامر الخالق الى الخلق بالمقادير لكل ارض قدر معلوم على حسب استعدادها ومنها خلق الاودية لمنافع العباد واودع فيها انواع المعادن من الذهب والفضة والحديد وانواع الجواهر وهى خزانة الله وحصنه ودليل على قدرته وكمال حكمته وهى سجن الوحوش والسباع ليلا وشرف الله الجبال بعرض الامانة عليها وفيها التسبيح والخوف والخشية وجعلها كراسى انبيائه عليهم السلام كاحد لنبينا والطور لموسى وسرنديب لآدم والجودى لنوح صلوات الله على نبينا وعليهم اجمعين وكفى شرفا بذلك وانها بمنزلة الرجال فى الاكوان يقال للرجل الكامل جبل.
رأى بعض الاولياء مناما فى الليلة التى هلك فيها رجال بغداد على يد هولاكوخان ان جبال العراقين ذهبت من وجه الارض بهبوب الرياح المظلمة على بغداد فوصل الخبر ان هولاكوخان قد دخل مدينة بغداد وقتل من الرجال الاولياء والعلماء والصلحاء والامراء وسائر الناس مالا يحصى عددا ولذا قال بعضهم رواسى الجبال اوتاد الارض فى الصورة والاولياء اوتاد الارض فى الحقيقة فكما ان الجبال مشرفة على سائر الاماكن كذلك الاولياء مشرفون على سائر الخلائق دل عليه قوله { من فوقها } يعنى من فوق العامة فكما ان جبل قاف مشرف على كل جبل كذلك القطب الغوث الاعظم مشرف على كل ولى وبه قوام الاولياء والرواسى دونه.
ومن خواص الاولياء من يقال لهم الاوتاد وهم اربعة واحد يحفظ المشرق باذن الله تعالى ويقال له عبد الحى وواحد يحفظ المغرب ويقال عبد العليم وواحد يحفظ الشمال ويقال له عبد المريد وواحد يحفظ الجنوب ويقال له عبد القادر وكان الشافعىرحمه الله فى زمانه من الاوتاد الاربعة على ما نص عليه الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات. وببركات الاولياء يأتى المطر من السماء ويخرج النبات من الارض وبدعائهم يندفع البلاء عن الخلق وان حياتهم ومماتهم سواء فانهم ماتوا عن اوصاف وجودهم بالاختيار قبل الموت بالاضطرار فهم احياء على كل حال ولذا قيل

مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد كه خواب مردم آكاه عين بيداريست

{ وبارك فيها } اى قدر بان يكثر خير الارض بان يخلق انواع الحيوان التى من جملتها الانسان واصناف النبات التى منها معايشهم ببذر وغيره { وقدر فيها اقواتها } القوت من الرزق ما يمسك الرمق ويقوم به بدن الانسان يقال قاته يقوته اذا اطعمه قوته والمقيت المقتدر الذى يعطى كل احد قوته.
ومن بلاغات الزمخشرى اذا حصلتك ياقوت هان علىّ الدر والياقوت والمعنى حكم تعالى بالفعل بان يوجد فيما سيأتى لاهل الارض من الانواع المختلفة اقواتها المناسبة لها على مقدار معين تقتضيه الحكمة فالمراد باقوات الارض ارزاق سكانها بمعنى قدّر اقوات اهلها على حذف المضاف بان عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به [ويا براى اهل هرموضعى اززمين روزى مقدر كرد جون كندم وجووبرنج وخرما وكوشت وامثال آن هريك ازينها غالب اقوات بلداست].
وقال بعض العارفين كل خلق لهم عنده تعالى رزق مخصوص فرزق الروحانيين المشاهدة ورزق الربانيين المكاشفة ورزق الصادقين المعرفة ورزق العارفين التوحيد ورزق الارواح الروح ورزق الاشباح الاكل والشرب وهذه الاقوات تظهر لهم من الحق فى هذه الارض التى خلقت معبدا للمطيعين ومرقدا للغافلين

جلوه تقدير درزندان كل دارد مراد ورنه بالا تربود از نه فلك جولان من

{ فى اربعة ايام } من ايام الآخرة او من ايام الدنيا كما سبق وهو متعلق بحصول الامور المذكورة لا بتقديرها اى قدر حصولها فى يومين يوم الثلاثاء ويوم الاربعاء على ما سيأتى.
وانما قيل فى اربعة ايام اى تتمة اربعة ايام بالفذلكة ومجموع العدد لانه باليومين السابقين يكون اربعة ايام كأنه قيل نصب الراسيات وتقدير الاقوات وتكثير الخيرات فى يومين آخرين بعد خلق الارض فى يومين وانما لم يحمل الكلام على ظاهره بان يجعل خلق الارض فى يومين وما فيها فى اربعة ايام لانه قد ثبت ان خلق السموات فى يومين فيلزم ان يكون خلق المجموع فى ثمانية ايام وليس كذلك فانه فى ستة ايام على ما تكرر ذكره فى القرآن.
وذكر فى البرهان انما لم يذكر اليومين على الانفراد لدقيقة لا يهتدى اليها كل احد وهى ان قوله
{ { خلق الارض فى يومين } صلة الذى { { وتجعلون له اندادا } عطف على تكفرون { وجعل فيها رواسى } عطف على قوله { { خلق الارض } وهذا ممتنع فى الاعراب لا يجوز فى الكلام وهو فى الشعر من اقبح الضرورات لا يجوز ان يقول جاءنى الذى يكتب وجلس ويقرأ لانه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف عليه باجنبى من الصلة فاذا امتنع هذا لم يكن بد من اضمار فعل يصح الكلام به ومعه فتضمن خلق الارض بعد قوله ذلك رب العالمين خلق الارض وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها فى اربعة ايام ليقع هذا كله فى اربعة ايام انتهى.
وقال غيره { وجعل فيها رواسى } عطف على خلق وحديث لزوم الفصل بجملتين خارجتين عن حيز الصلة مدفوع بان الاولى متحدة بقوله تعالى
{ { تكفرون } فهو بمنزلة الاعادة له والثانية اعتراضية مقررة لمضمون الكلام بمنزلة التأكيد فالفصل بهما كلا فصل فالوجه فى الجميع دون الانفراد ما سبق { سواء } مصدر مؤكد لمضمر هو صفة لايام اى استوت تلك الايام سواء اى استواء يعنى فى اربعة ايام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان { للسائلين } متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر فى الاربعة للسائلين عن مدة خلق الارض وما فيها القائلين فى كم خلقت الارض وما فيها فالسؤال استفتائى واللام للبيان او بقدّر.
قال فى بحر العلوم وهو الظاهر اى قدر فيها اقواتها لاجل السائلين اى الطالبين لها المحتاجين اليها من المقتاتين فان اهل الارض كلهم طالبون للقوت محتاجون اليه فالسؤال استعطائى واللام للاجل.
قال ابن عباس رضى الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا رديفه يقول
"خلق الله الارواح قبل الاجسام باربعة آلاف سنة وخلق الارزاق قبل الارواح باربعة آلاف سنة سواء لمن سأل ولمن لم يسأل وانا من الذين لم يسألوا الله الرزق ومن سأل فهو جهل" وهذا الخبر يشير الى ان اللام فى للسائلين متعلق بسواء واليه الاشارة فى تأويلات البقلى حيث قال لا يزيد الرزق بالسؤال ولا ينقص وفيه تأديب لمن لم يرض بقسمته

كشاد عقده روزى بدست تقديرانست مكن زرزق شكايت از ين وآن زنهار

وفى الحديث "من جاع او احتاج فكتمه عن الناس كان حقا على الله ان يفتح له رزق سنة من حلال" فالعمدة الصبر وترك الشكاية والتوكل والاشتغال بالذكر.
"قال انس رضى الله عنه خرجت مع النبى عليه السلام الى شعب فى المدينة ومعى ماء لطهوره فدخل النبى عليه السلام واديا ثم رفع رأسه واومأ الى بيده ان اقبل فاتيته فدخلت فاذا بطير على شجرة وهو يضرب بمنقاره فقال عليه السلام هل تدرى ما يقول قلت لا قال يقول اللهم انت العدل الذى لا تجور حجبت عنى بصرى وقد جعت فاطعمنى فاقبلت جرادة فدخلت بين منقاره ثم جعل يضرب منقاره بمنقاره فقال عليه السلام أتدرى ما يقول قلت لا فقال من توكل على الله كفاه ومن ذكره لا ينساه قال عليه السلام يا انس من ذا الذى يهتم للرزق بعد ذلك اليوم الرزق اشد طلبا لصاحبه من صاحبه له" : قال الصائب

رزق اكر برآدمى عاشق نمىباشد جرا از زمين كندم كريبان جاك مى آيدجرا