خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ
١٣
-الشورى

روح البيان في تفسير القرآن

{ شرع لكم من الدين } شرع بمعنى سن وجعل سنة وطريقا واضحا اى سن الله لكم يا امة محمد من التوحيد ودين الاسلام واصول الشرائع والاحكام وبالفارسية وراه روشن ساخت شمار ازدين { ما وصى به نوحا } التوصية وصيت كردن وفرمودن والوصية التقدم الى الغاير بما يعمل به مقرنا يوعظه اى امر به نوحا امرا مؤكدا فان التوصية معربة عن تأكيد الامر والاعتناء بشأن المأمور به قدم نوح عليه السلام لأنه اول انبياء الشريعة فانه اول من اوحى اليه الحلال والحرام واول من اوحى اليه تحريم الامهات والاخوات والبنات وسائر ذوات المحارم فبقيت تلك الحرمة الى هذا الآن { والذى اوحينا اليك } اى وشرع لكم الذى اوحينا الى محمد عليه السلام وتغيير التوصية الى الايحاء فى جانب النبى صلى الله وسلم للتصريح برسالته القامع لانكار الكفرة والالتفات الى نون العظمة لاظهار كمال الاعتناء بايحائه وهو السر فى تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم توصية نوح للمسارعة الى بيان كون المشروع لهم دينا قديما والتعبير بالاصل فى الموصولات وهو الذى للتعظيم وتوجيه الخطاب اليه عليه السلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه { وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى } وجه تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر انهم اكابر الانبياء ومشاهيرهم من اولى العزم واصحاب الشرآئع العظيمة والاتباع الكثيرة { ان اقيموا الدين } محله النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه او رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع المشترك بين هؤلاء الرسل فقيل هو اقامة الدين اى دين الاسلام الذى هو توحيد الله وطاعته والايمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد باقامته تعديل اركانه وحفظه من ان يقع فيه زيغ او المواظبة عليه والتشمر له { ولا تتفرقوا فيه } فى الدين الذى هو عبارة عن الاصول والخطاب متوجه الى امته عليه السلام فهذه وصية لجميع العباد.
واعلم أن الانبياء عليهم السلام مشتركون ومتفقون فى اصل الدين وجميعهم اقاموا الدين وقاموا بخدمته وداموا بالدعوة اليه ولم يتخلفوا فى ذلك وباعتبار هذا الاتفاق والاتحاد فى الاصول قال الله تعالى
{ { ان الدين عند الله الاسلام } من غير تفرقة بين نبى ونبى ومختلفون فى الفروع والاحكام قال تعالى { { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وهذا لاختلاف الناشئ من اختلاف الامم وتفاوت طبائعهم لا يقدح فى ذلك الاتفاق ثم امر عباده باقامة الدين والاجتماع عليه ونهاهم عن التفرق فيه فان يد الله ونصرته مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة البعيدة النافرة والمنفردة عن الجماعة اوصى حكيم اولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتونى بعصى فجمعها فقال لهم اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها فقال خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا انتم بعدى لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وكذا القائمون بالدين اذا اجتمعوا على اقامته ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذا الانسان فى نفسه اذا اجتمع فى نفسه على اقامة الدين لم يغلبه شيطان من الانس والجن بما يوسوس به اليه مع مساعدة الايمان والملك باقامته له قال على رضى الله عنه لا تتفرقوا فان الجماعة رحمة والفرقة عذاب وكونوا عباد الله اخوانا قال سهل الشرآئع مختلفة وشريعة نوح هو الصبر على اذى المخالفين انتهى فعلى هذا فشريعة ابراهيم عليه السلام هو الانقياد والتسليم وشريعة موسى عليه السلام هو الاشتياق الى جمال الرب الكريم وشريعة عيسى عليه السلام هو الزهد والتجرد العظيم وشريعة نبينا عليه السلام هو الفقر الحقيقى المغبوط عند كل ذى قلب سليم كما قال اللهم اغننى بالافتقار اليك وهذه الشرآئع الباطنة باقية ابدا ومن اصول الدين التوجه الى الله تعالى بالكلية فى صدق الطلب وتزكية النفس عن الصفات الذميمة وتصفية القلب عن تعلقات الكونين وتخلية الروح بالاخلاق الربانية ومراقبة السر لكشف الحقائق وشواهد الحق وكان نبينا عليه السلام قبل البعثة متعبدا فى الفروع بشرع من قبله مطلقا آدم وغيره وفى كلام الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر تعبده عليه السلام قبل نبوته كان بشريعة ابراهيم عليه السلام حتى جاءه الوحى وجاءته الرسالة ولم يكن على ما كان عليه قومه باتفاق الائمة واجماع الامة فالولى الكامل يجب عليه متابعة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله له فى قلبه عين الفهم عنه فيلهم معانى القرءآن ويكون من المحدثين بفتح الدال ثم يصير الى ارشاد الخلق (وفى المثنوى)

لوح محفوظست اورا بيشوا ازجه محفوظست محفوظ ازخطا
نى بجومست ونه رملست ونه خواب وحى حق والله اعلم بالصواب

{ كبر على المشركين } اى عظم وشق عليهم { ما تدعوهم اليه } يا محمد من التوحيد ورفض عبادة الاصنام واستبعدوه حيث قالوا أجعل الآلهة الها واحدا ان هذا لشىء عجاب وقال قتادة شهادة ان لا اله الا الله وحده ضاق بها ابليس وجنوده فابى الله الا ان يظهرها على من ناواها اى عاداها { الله يجتبى اليه من يشاء } قال الراغب جبيت الماء فى الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية ومنه استعير جبيت الخراج جباية والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء وهو هنا مأخوذ من الجباية وهى جلب الخراج وجمعه لمناسبة النهى عن التفرق فى الدين ولأن الاجتباء بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بالى الا باعتبار تضمين معنى الضم والصرف والمعنى الله يجتلب الى ما تدعوهم اليه من يشاء ان يجتلبه اليه وهو من صرف اختياره الى ما دعى اليه { ويهدى اليه } بالارشاد والتوفيق وامداد الالطاف { من ينيب } يقبل اليه ويجوز ان يكون الضمير لله فى كلا الموضعين فالمعنى الله يجمع الى جنابه على طريق الاصطفاء من يشاء من عباده بحسب استعداده ويهدى اليه بالعناية من ينيب واجتباء الله تعالى العبد تخصيصه اياه بفيض الهى يتحصل منه انواع من النعم بلا سعى من العبد وذلك للانبياء عليم السلام ولبعض من يقاربهم من الصديقين والشهدآء (قال الكاشفى) يعنى هركه ازهمه اعراض كندوحق راخواهد حق سبحانه راء راست بد ونمايد

نخست از طالبى ازجمله بكذر روبدو آور كرآن حضرت نداآردكه اى سر كشته راه اينك

وفى التأويلات النجمية يشير بقوله الله يجتبى اليه الآية الى مقامى المجذوب والسالك فان المجذوب من الخواص اجتباه الله فى الازل وسلكه فى سلك من يحبهم واصطنعه لنفسه وجذبه عن الدارين بجذبة توازى عمل الثقلين فى مقعد صدق عند مليك مقتدر والسالك من العوام الذين سلكهم فى سلك من يحبونه موفقين للهداية على قدمى الجهد والانابة الى سبيل الرشاد من طريق العناد انتهى والانابة نتيجة التوبة فاذا صحت التوبة حصلت الانابة الى الله تعالى قال بعض الكبار من جاهد فى اقامة الدين فى مقام الشريعة والطبيعة يهديه الله الى اقامته فى مقام الطريقة والنفس ومن اقامه فى هذا المقام يهديه الله الى اقامته فى مقام المعرفة والروح ومن اقامه فى هذا المقام يهديه الله الى اقامته فى مقام الحقيقة والسر ومن اقامه فى هذا المقام تم امره وكمل شأنه فى العلم والعرفان والذوق والوجدان والشهود والعيان واليه يشير قوله تعالى { { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } فعليك باتيان جميع القرب قدر الاستطاعة فى كل زمان وحال فان المؤمن لن تخلص له معصية ابدا من غير ان تخالطها طاعة لأنه مؤمن بها انها معصية فان اضاف الى هذا التخليط استغفارا وتوبة فطاعة على طاعة وقربة على قربة فيقوى جزآء الطاعة التى خالطها العمل السيىء وهو الايمان بانها معصية والايمان من اقوى القرب واعظمها عند الله فانه الاساس الذى ابتنى عليه جميع القرب وقال تعالى فى الخبر الصحيح "وان تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا وان تقرب الى ذراعا تقربت منه باعا وان اتانى يمشى اتيته هرولة" وكان قربه تعالى من العبد ضعف قرب العبد منه وعلى كل حال لا يخلو المؤمن من الطاعة والقرب والعمل الصالح يمحو الخطايا فان العبد اذا رجع عن السيئة واناب الى الله واصلح عمله اصلح الله شأنه واعاد عليه نعمه الفائتة (عن ابراهيم بن ادهم قدس سره) بلغنى أن رجلا من بنى اسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس اذ سقط فرخ من وكره وهو يتبصبص فأخذه ورده الى وكره فرحمه الله تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع والوكر بالفتح عش الطائر بالفارسية آشيان.
والتبصبص التملق وتحريك الذنب وفى الآية اشارة الى اهل الوحدة والرياء والسمعة فكما أن المشركين بالشرك الجلى يكبر عليهم امر التوحيد فكذا المشركون بالشرك الخفى يكبر عليهم امر الوحدة والاخلاص نسأل الله سبحانه ان يجذبنا اليه بجذبة عنايته ويشرفنا بخاص هدايته